فالله الله إخوتي في الله, في التناصح بالحسنى, وبالموعظة وبالتي هي أحسن, حتى تبرأ الذمة. وإني أعلم أن بعض الناس يقولون: إنما أُقِرت هذه الأعياد بسبب وجود أناس خانوا أوطانهم, إما أهل الغلو؛ الذين عادوا على أوطانهم بالتخريب والتفجير والتكفير والبراءة منها، وإما أهل النفاق الذين عادوا إلى أوطانهم بالتخريب في الدين وفي الأخلاق وفي الدين وفي العرض وبالتشبه بالنصارى وكلهم أعداء الله, وإما أناس يريدون العبد أن يتبرأ من وطنه وألا يحب وطنه وهذا أمر مغروز في الفطر، فالوطن أيها الإخوة, عديل الروح في كتاب ربكم, فقد شبه الله عز وجل إخراج العبد من وطنه, بإخراج روحه من جسده, فقال تعالى ?ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم?, فأتى الله بأصعب أمرين: إخراج الروح من الجسد, وإخراج الجسد من الوطن, هذه فطر غرزها الله في النفوس, وقال الله ?وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم?, وقال تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) وقال عليه الصلاة والسلام لما خرج من مكة وصعد الثنية ثم التفت إليها فقال «والله إنك أحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت?, هو حب الأوطان الذي لا ينفيه الشرع, ولما أصابت بلالاً الحمى في المدينة؛ أخذ يتوجد على مكة ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب وعندي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
وهذه أسماء بعض جبال مكة, فهذا أمر مغروز في النفوس, ولكن حب الوطن وتعزيز الوطن إنما يكون بحفظ الوطن من الضياع, وضياع الأوطان يكون بتضييع أمر الله, فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره, فحفظ الأوطان في الحقيقة بالأمر بالمعروف والتناهي عن المنكر, والأطْر على الحق وإقامة الحدود, والتناصح بين الخاصة والعامة, بهذا تحفظ الأوطان وبهذا تجتمع الكلمة, والدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من العلماء والأمراء, لا يستبطن العبد لهم غشًا ولا غلاً ولا دغلاً, وإنما ينصح لهم من قلبه, بهذا تحفظ الأوطان, وبهذا تحفظ النعم, وبهذا يتم من الله الزيادة كما وعد, والله لا يخلف الميعاد.
اللهم احفظ دولة التوحيد هذه, اللهم إنا نقول كما قال إمامنا في هذا العصر -سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله- إن معاداة هذه الدولة معاداة للتوحيد الذي تحمله وتدرسه في مدارسها وتنشره في كل مكان ومن قال غير ذلك فقد ظلم نفسه، وإن حفظها بتمسكها بما قامت عليه, اللهم أصلح خاصتنا وعامتنا, اللهم أصلح العلماء والأمراء, اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه, اللهم احفظ أوطاننا بالسنة وبالتوحيد يا رب العالمين, اللهم لا تَفْتِنَّا فيمن فُتِن, ولا تمكر بنا فيمن مُكِر به, يا رب العالمين, اللهم اجعلنا ممن شكر فزدته وممن أذنب فاستغفر فغفرت له يا رب العالمين, يا حي يا قيوم, اللهم اجعلنا أنصح الناس لك ولكتابك ولرسولك ولأئمة المسلمين وعامتهم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم استغفروه.
اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه, كما تحب ربنا وترضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله, لا رب غيره ولا معبود بحق سواه, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.
عباد الله, بادروا بالأعمال الصالحة, بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تندموا, بادروا بالأعمال الصالحة إذا جاءت مواسمها, فإن لكل خافقة سكون, بادروا بالأعمال الصالحة فتنًا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا, ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا, يبيع دينه بعرض من الدنيا, لا يُعصَم فيها إلا من بادر بالعمل الصالح, وثبته الله بالقول الثابت, واشتغل بعبادة ربه, بادروا بالأعمال الصالحة قبل فقر منسي, أو غنى مطغي, أو مرض مشغل, أو هرم مفند, أو الموت, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة فالساعة أدهى وأمر, بادروا بالأعمال فإنه نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ, وإنه قد أظلكم موسم من أدركه منكم -وهو على بعد خطوة منكم الآن ولا يدري أحدكم هل يدركه أو لا- من أدركه منكم فليُري الله من نفسه خيرًا, فإن الله يحب فيه العمل الصالح من الصدقات, ومن الصيام ومن القيام, ومن القرآن ومن الذكر, تفتح فيه أبواب الجنة لمن أراد, وتغلق فيه أبواب النار لمن أراد الهرب, وتصفد فيه الشياطين, والتوفيق إنما هو من عند الله, هو الذي يأخذ بالنواصي, ويفتح على القلوب, ويعين العباد, والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم, والآخرين الذين زاغوا أزاغ الله قلوبهم ولا يظلم ربك أحدًا, اللهم أعزنا بالإسلام والسُّنة, وأعز الإسلام والسُّنة بنا, اللهم بلغنا رمضان, اللهم بلغنا إياه, اللهم وفقنا فيه لما تحب وترضى, من القول والعمل والنية والهدى يا رب العالمين, اللهم أعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وصلى الله على عبده ورسوله محمد.
موقع الشيخ وتجد الخطبة مسجلة بصوته:
الأمر الأول
http://www.alamralawal.com/
¥