[مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة، للشيخ سفر الحوالي]
ـ[حديث الروح]ــــــــ[17 - 03 - 02, 08:02 ص]ـ
الحمد لله الرحمن الذي علمنا القرآن وفضلنا بالإيمان ورضي لنا ديناً خير الأديان، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيد ولد آدم نبي الرحمة ونبي الملحمة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله تعالى قدر أن يكون لهذه القارة الصغيرة ذات البيئة القاسية (أوربا) أثر كبير في تاريخ الجماعة البشرية كلها وأن تتولى قيادة ركب الغواية في صراعه الأبدي مع ركب الإيمان الذي قدر الله أن يكون معتصمه بلاد التين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين [1].
والاستكبار على الله والشرود عن دينه الذي بلغت به المجتمعات الغربية المعاصرة غايته لم يأت عرضاً وإنما هو وليد قرون من الصراع والتخبط ثم الجموح والتمرد. فقد كان منبت الحضارة الأوروبية من القاع الذي اجتمعت فيه رواسب الحضارات الجاهلية البائدة (سومرية، آشورية، فرعونية، إغريقية، رومانية) بعد تصفية كل تلك الحضارات من آثار النبوة وبقايا الرسالات حيث استبعدت أو طمست أية إشارة إلى توحيد الله عز وجل وإلى رسله الكرام وكتبه المنزلة [2] ونفض الغبار عن الأوثان القديمة وشرك القرون الأولى ونُقِّب عما طمره الدهر من أساطير وأصنام وضلالات وجهالات.
ذلك أنه في ظل الحضارة الجاهلية الأخيرة (الرومانية) اعتنقت أوربا نصرانية " بولس " المنسوبة زوراً إلى المسيح عليه السلام حينما أعلن ذلك الإمبراطور قسطنطين سنة 325 م وانتقلت عاصمة الإمبراطورية من روما إلى بيزنطة (القسطنطينية) ويشاء الله تعالى أن يلي ذلك مرحلة مفجعة من تاريخ أوربا الغربية وهي المرحلة الممتدة من سنة 410م (أي تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة) إلى 1210م (أي تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوربا) ثمانية قرون كاملة من التيه والضلال اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها (أو جزء منها) عصور الظلمات وأفاضوا في الحديث عن الانحطاط الكامل حينئذ في الثقافة والعلم والفن وكل جانب من جوانب الحياة إلا جانباً واحداً شذ عن ذلك وهو الدين حيث توغلت النصرانية في الممالك البربرية الوثنية وكان ذلك العصر هو العصر الذهبي لانتشار النصرانية في أوربا كلها وأسست كنائس وأنظمة رهبانية جديدة [3].
تطيرت أوربا بانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية الذي أعقبه الاجتياح البربري الكبير لروما والإمبراطورية الغربية وحدث هذا التناقض الحاد = انهيار كامل حضارياً وعلمياً وانتشار هائل دينياً!!
وهذا ما أدى لأن يجاهر بعض المؤرخين (ومنهم أكبر المؤرخين لتلك الفترة قاطبة: ادوارد جيبون) بالقول إن سبب انهيار الإمبراطورية الغربية هو تحولها من الوثنية إلى النصرانية، وبالطبع لم تقل الشعوب الأوربية حينئذ مثل هذا ولكن في ((اللاشعور)) ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة وارتبط الدين بالهزيمة والانحطاط، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوربا بالدين [4]. أعني دينها أما الإسلام فإنه لما كان الرومان عامة يعدون كل ما عداهم من الشعوب برابرة ولما كان البابوات ورجال الكنيسة يعدون الإسلام وثنية فقد اتفق الموردان في النظرة القاتمة إلى العالم الإسلامي وامتزجت العنصرية القديمة بالحقد الديني الجديد. مع أننا لو انتقلنا إلى واقع الحياة الإسلامية حينئذ وعقدنا مقارنة بين الدينين والحضارتين لوجدنا البون شاسعاً والفرق بعيداً:-
1 – لم يكن لدى أوربا مركز حضاري يمكن أن يسمى "مدينة"بالمفهوم السائد عن المدن فيما بعد. وأكبر ما كانت تعرفه هو (بيزنطة وروما) اللتان لم تكونا سوى قريتين متأخرتين إذا قورنتا بالمدن العالمية آنذاك (بغداد، دمشق، القاهرة قرطبة …الخ) [5].
2 - لم يؤلف في أوربا خلال تلك الحقبة الطويلة كتاب علمي على الإطلاق في حين نجد الواحد من علماء المسلمين يكتب العشرات وربما المئات من المصنفات في فنون المعرفة جميعها.
وإذا كانت أوربا تعد ظهور ترجمة كتب أرسطو بداية الخروج من عصر الظلمات فإن الفضل عليها في ذلك يرجع إلى رجل ليس أوربياً ولا نصرانياً بل هو ابن رشد المتوفى سنة 1198م.
¥