تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كان المسلمون مجمعين (عمليًا) على أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب. قال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب" (2) ونقل ابن رسلان "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه" (3). ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنفات الأئمة، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم، بل لا تكاد تجد – فيما أعلم – مصنّفًا خاصًا بهذه المسألة؛ ولو على شكل رسالة صغيرة؛ مما يدل دلالة واضحة أن هذه القضية من الوضوح بمكان، وأن عمل المسلمين كما هو قائم، يتوارثه الخلف عن السلف، وهذا التواتر العملي يدلنا أيضًا على طبيعة تلقي العلماء لمثل هذه المسائل، وأنهم يرشدون أمتهم لما فيه العفة والطهر والإستقامة على أرشد الأمور، وأفضل السبل.

ولم يبدأ انتشار السفور وكشف الوجه إلا بعد وقوع معظم بلاد المسلمين تحت سيطرة الكفار في العصر الحديث، فهؤلاء الكفار كانوا يحرصون على نشر الرذيلة ومقدماتها في ديار الإسلام لإضعافها وتوهين ما بقي من قوتها. وقد تابعهم في هذا أذنابهم من العلمانيين المنافقين الذين قاموا بتتبع الأقوال الضعيفة في هذه المسألة ليتكئوا عليها ويتخذوها سلاحًا بأيديهم في مقابلة دعاة الكتاب والسنة. لا سيما في الجزيرة العربية، آخر معاقل الإسلام.

وحيث أن الشيخ الألباني رحمه الله أشهر من نصر القول بجواز كشف المرأة لوجهها في هذا العصر، وتبنى هذا القول الضعيف في كتابه "جلباب المرأة"، فإن أنصار السفور قد فرحوا بزلته هذه، وطاروا بها، وأصبحت ترسًا لهم يواجهون به الناصحين.

فقد أحببت أن أبين في هذه الرسالة شيئاً من تناقضات الشيخ-غفر الله له- يجهلها كثير من أولئك الذين اغتروا بترجيحاته؛ لكي يتبين لهم مدى ضعف قوله وأنه قد جانب الصواب في هذه المسألة، فكانت زلته فيها سبباً في زلة غيره وفتنتهم. وقد قدمت لذلك بتنبيهات مهمة، وبذكر أقوى أدلة وجوب تغطية الوجه.

تنبيهات مهمة

1 - أن الألباني رحمه الله معذور –إن شاء الله- في ما ذهب إليه من جواز كشف الوجه؛ لأنه من العلماء الثقات المجتهدين، وقد أداه اجتهاده إلى هذا القول الضعيف، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" متفق عليه. فينبغي علينا حفظ مكانته، لكن مع عدم متابعته على زلته ومع التنبيه على خطئه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا؛ قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور، لا يجوز أن يُتْبع فيها، مع بقاء مكانه ومنزلته في قلوب المؤمنين" (4).

2 - إذا كان الألباني معذورًا، فما عذر من يتابعه لمجرد أن قوله وافق هواه وشهوته؟! فهؤلاء غير معذورين، وهم ممن يتتبعون زلات العلماء بعد أن استبان لهم الحق؛ متابعة لأهوائهم.

ولتتأكد من هذا فإنك سوف تجد بعض من تابعه في هذه المسألة لا يتابعه – وهو مصيب - في تحريمه للأغاني مثلاً! أو في تحريمه لحلق اللحية! أو تحريم الإسبال! بل لا يتابعونه في الشروط التي ذكرها – وهي حق - للحجاب الشرعي! لتعلم بعدها أنهم ممن قال الله عنهم (اتخذ إلهه هواه).

3 - أن الألباني رغم قوله بهذا القول الضعيف فإنه يرى أن تغطية المرأة لوجهها أفضل. قال رحمه الله: "نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل" (5) وقال: "فمن حجبهما –أي الوجه والكفين- أيضاً منهن، فذلك ما نستحبه وندعو إليه" (6).

4 - أن الألباني عندما اختار هذا القول الضعيف فإنه اجتهد كثيرًا في البحث عن أي دليل يرى أنه يدل عليه. ولكنه في المقابل لا يذكر جميع أدلة من أوجب تغطية الوجه؛ لأنه –في ظني- لا يستطيع أن يجيب عن أكثرها لصراحتها! أما القائلون بتغطية الوجه فإنهم يذكرون أدلتهم، ثم يذكرون أدلة الألباني جميعها ويجيبون عنها ويفندونها. وما هذا إلا دليل على قوة موقفهم –ولله الحمد- (7)

5 - أن الأولى –عندي- لمن يريد أن يناقش من يرون جواز كشف الوجه أن لا يُشغل نفسه بالرد على شبهاتهم، إنما يكتفي بذكر أدلة وجوب تغطية الوجه مما لا يستطيعون له ردًا، ولأنه ناقل عن الأصل. وقد ذكرت أهمها كما سيأتي -إن شاء الله-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير