تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً رواه أحمد 1/ 293 السلسلة الصحيحة 2382 وصححه الألباني في صحيح الجامع برواية الخرائطي عن أنس بلفظ رقم 6806

الثاني والعشرون: ومن علاجات الهموم ما يكون بالأطعمة

فقد روى البخاري رحمه الله عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ الفتح رقم 5689

وروى رحمه الله أيضا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ الفتح 5147

والتلبينة: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل وسميت تلبينة لشبهها باللبن، وهي تطبخ من الشعير مطحوناً.

ومعنى مُجِمَّة: أي تريح وتنشط وتزيل الهمّ

وروى أحمد رحمه الله عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قِيلَ لَهُ إِنَّ فُلانًا وَجِعٌ لا يَطْعَمُ الطَّعَامَ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إِيَّاهَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا يَغْسِلُ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ مِنَ الْوَسَخِ رواه أحمد 6/ 152.

ورواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعَكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّهُ لَيَرْتُقُ (وفي رواية أحمد وابن ماجة: ليرتو) فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: السنن رقم 2039

ويرتو أو يرتق: أي يشدّ ويقوي، ويسرو: أي يكشف

وهذا الأمر - وإن استغربه بعض الناس - هو حق وصدق ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور هو من الأغذية المفرحة، والله اعلم. يُراجع زاد المعاد لابن القيم رحمه الله 5/ 120.

أما عن طريقة طبخه لمريض الجسد ومحزون القلب فيقول ابن حجر رحمه الله: ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً والله أعلم انظر فتح الباري 147.

وقد لخص ابن القيم هذه الأدوية والعلاجات في خمسة عشر نوعاً من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي:

الأول: توحيد الربوبية.

الثاني: توحيد الإلهية.

الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي (وهو توحيد الأسماء والصفات).

الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.

الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.

السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.

السابع: الاستعانة به وحده.

الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.

التاسع: تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.

العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.

الحادي عشر: الاستغفار.

الثاني عشر: التوبة.

الثالث عشر: الجهاد.

الرابع عشر: الصلاة.

الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.

نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.

تذكرة

وبعد ذكر هذه الطائفة من أنواع هموم الدنيا وعلاجها يجدر التذكير بأن هموم الآخرة أعظم وغمومها وكروبها أشدّ، ومن أمثلة ذلك ما يُصيب الناس في أرض المحشر فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ .. أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ .. رواه البخاري الفتح 4712

ولا علاج لغموم وكربات ذلك اليوم إلا بالإقبال على الله في هذا اليوم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه خير قوم والحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير