يحب الله أن نتوسل به من الإيمان والعمل الصالح، فهذا باطل عقلاً وشرعاً، أما عقلاً فلأنه ليس في كون الشخص المعين محبوباً له ما يوجب كون حاجتي تقضى بالتوسل بذاته إذا لم يكن مني ولا منه سبب تقضى به حاجتي، فإن كان منه دعاء لي أو كان مني إيمان به وطاعة له فلا ريب أن هذه وسيلة، وأما نفس ذاته المحبوبة فأي وسيلة لي منها إذا لم يحصل لي السبب الذي أمرت به فيها.
وأما الشرع فيقال: العبادات كلها مبناها على الاتباع لا على الابتداع، فليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله، فليس لأحد أن يصلي إلى قبره ويقول هو أحق بالصلاة
إليه من الكعبة، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا
إليها مع أن طائفة من غلاة العباد يصلون إلى قبور شيوخهم، بل يستدبرون القبلة، ويصلون إلى قبر الشيخ ويقولون: هذه قبلة الخاصة، والكعبة قبلة العامة! وطائفة أخرى يرون الصلاة عند قبور شيوخهم أفضل من الصلاة في المساجد حتى المسجد الحرام] والنبوي [والأقصى. وكثير من الناس يرى أن الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل منه في المساجد، وهذا كله مما قد علم جميع أهل العلم بديانة الإسلام أنه مناف لشريعة الإسلام. ومن لم يعتصم في هذا الباب وغيره بالكتاب والسنة فقد ضَل وأضل، ووقع في مهواة من التلف. فعلى العبد أن يسلم للشريعة المحمدية الكاملة البيضاء الواضحة، ويسلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإذا رأى من العبادات والتقشفات وغيرها التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع علم أن ضررها راجح على نفعها، ومفسدتها راجحة على مصلحتها، إذ الشارع الحكيم لا يهمل المصالح) ثم قال: (والدعاء من أجل العبادات، فينبغي للإنسان أن يلزم الأدعية المشروعة فإنها معصومة كما يتحرى في سائر عبادته الصور المشروعة، فإن هذا هو الصراط المستقيم. والله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين).
ـ[الأزهري الأصلي]ــــــــ[19 - 02 - 04, 03:08 ص]ـ
ويقول الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في كتابه (هذه مفاهيمنا):
وقال (أي السيد المالكي) في ص 66 معنونا:
"التوسل بقبر النبي صلى اله عليه وسلم بعد وفاته" وذكر برهانه على هذا العنوان
الغريب، فقال: قال الإمام الحافظ الدارمي في كتابه "السنن": باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلى اله عليه وسلم بعد موته.
حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك البكري [12] حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي صلى اله عليه وسلم فاجعلوا منه كوا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا. فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل (تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق ومعنى كوا أي نافذة) ا هـ سنن الدارمي (ج 1ص 43) 0 انتهى ما نقله صاحب المفاهيم.
ووضعه (تفتقت من الشحم 000) إلخ بين أقواس من تصرفه وإخلاله بالنقل السليم. فإن اللفظ في سنن الدارمي (1/ 43) هكذا:
"وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق " اهـ
هذه عبارة سنن الدارمي فتصرفه مذموم وزاد على الأثر قوله: ومعنى كوا أي نافذة وهذه ليست في سنن الدارمي التي نص على النقل عنها.
وهذه الأثر ضعيف جدا لا حجة فيه، لأوجه:
الأول: أن راويه عمرو بن مالك النكري ضعيف بمرة، قال ابن عدي في "الكامل " 6/ 1799: "منكر الحديث عن الثقات، وشرق الحديث سمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري: كان
ضعيفا. " ثم قال بعد أن ساق أحاديث: "و لعمرو غير ما ذكرت أحاديث مناكير" ا هـ، وقال ابن حبان: "يخطى ويغرب " ا هـ
فعمرو وأمثاله ممن هذه حالهم كيف يجترأ على الاحتجاج بروايتهم، أما من غيرة على سنة رسول الله وشريعته من سراق الحديث؟!
الثاني: أن سعيد بن زيد الراوي عن عمرو فيه ضعف، قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس: كان يحيى بن سعيد لا يستمرؤه. ساق هذه الأقوال الذهبي في "الميزان "
الثالث: قال شيخ الإسلام في "مختصر الرد على البكري " ص 68 - 69: "وما روي عن عائشة رضى الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده، وإنما نقل ذلك من هو معروف بالكذب ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقيا كما كان على عهد النبي صلى اله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في "الصحيحين "عن عائشة أن النبي صلى اله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيئ بعد.
ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى اله عليه وسلم. " انتهى.
وبعد أن تبين وانجلى نكارة هذه الحكاية نقلا وعقلا، إسنادا وتأريخا يعلم أن قول صاحب المفاهيم بعد سياق الأثر:
"فهذا توسل بقبره صلى اله عليه وسلم، لا من حيث كونه قبرا، بل من حيث كونه ضم جسد أشرف المخلوقين وحبيب رب العالمين، فتشرف بهذه المجاورة العظيمة، واستحق بذلك المنقبة الكريمة". اهـ. مما اعتمد فيه على المنكرات الواهيات، ولهذا فلا قيمة لكلامه، ولو بنخالة شعير، أو وزن قطمير. وهذا ظاهر لكل أحد، والحمد لله على توفيقه.
¥