[من روائع العلامة ابن حزم في الحكمة]
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[19 - 02 - 04, 02:40 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وآله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العلامة أبامحمد علي بن حزم الأندلسي علم من أشهر أعلام هذه الأمة له مكانة عظمى ومنزلة رفيعة في العلم .... لا تخفى
وقد برع العلامة أبو محمد ابن حزم في علوم شتى: كالفقه، والحديث، والأصول، والأدب والبلاغة والشعر، والتأريخ والأخبار، والنسب، والمنطق، والطب ....
وقد أوتي جدلا و حجة، وبلاغة، يأسر من اطلع على كلامه، ويملك قبله، وتقنعه، أو تفحمه حججه ...
وهو مع ذلك أديب وشاعر ... من مهرة الشعراء له قصائد سارت بها الركبان ...
وهو أيضا حكيم مجرب له نظر ثاقب، وذهن يتوقد، وقوة ملاحظة .. وسبر، وتقسيم عجيب لأخلاق الناس ... وآدابهم.
وقد حصلت له خطوب وحروب مع مخالفيه من العلماء جرت عليه محن، وفتن، وابتلاءات ... كان لها أثر في نفسه، وخلقه، وطبعه، وكشفت له من أمور الناس، وما تنطوي عليه أخلاقهم وصفاتهم شيئا كثيرا ...
فكان نتاج ذلك أن دون، وكتب كل ما تحصل له من ذلك في كتاب .. محاولة منه في معالجة أخلاق الناس، وحثهم على الجميل، وردهم عن القبيح ....
وهذا الكتاب اسمه: الأخلاق والسير في مداواة النفوس .. أو مداواة النفوس ...
يقول في مقدمة كتابه:
... جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة، أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام وتعاقب الأحوال، بما منحني عز وجل من التهمم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله، حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له، والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس، وعلى الازدياد من فضول المال، وزممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب، لينفع الله تعالى به من يشاء من عباده ممن يصل إليه بما أتعبت فيه نفسي، وأجهدتها فيه، وأطلت فيه فكري، فيأخذه عفواً، وأهديته إليه هنيئاً، فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال، وعقد الأملاك، إذا تدبره ويسره الله تعالى لاستعماله، وأنا راج في ذلك من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم، وبالله أستعين.
ولعلي أنتقي لإخواني في هذا المنتدى الطيب المبارك ما استحسنته في هذا الكتاب مع نصيحتي للكل بقراءته كاملا، فهو بحر طافح بالدرر، وممتلئ باليواقيت .. لا غنى لطالب العلم عنها ...
والآن وقت الشروع في المقصود:
قال رحمه الله ص 2:
لذة العاقل بتمييزه، ولذة العالم بعلمه، ولذة الحكيم بحكمته، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده، أعظم من لذة الآكل بأكله، والشارب بشربه، والواطيء بوطئه، والكاسب بكسبه، واللاعب بلعبه، والآمر بأمره، وبرهان ذلك، أن الحكيم العاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا، كما يجدها المنهمك فيها، ويحسونها كما يحسها المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها، وآثروا طلب الفضائل عليها، وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.
ثم قال:
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك، وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا، إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط، لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن،
إما بذهابه عنك،
وإما بذهابك عنه،
ولا بد من أحد هذين الشيئين،
إلا العمل لله عز وجل؛ فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل،
أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس، وإنك به معظم من الصديق والعدو،
وأما في الآجل فالجنة.
و قال:
لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حق، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم. وباذل نفسه في عرض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى.
لا مروءة لمن لا دين له.
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
لإبليس في ذم الرياء حبالة، وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير خوف أن يظن به الرياء.
== يتبع إن شاء الله
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[20 - 02 - 04, 07:04 م]ـ
جزاك الله خيرا
ومما أعجبني في الكتاب قول الإمام ابن حزم رحمه الله
¥