ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[28 - 02 - 04, 08:33 ص]ـ
وأما سوء الظن فيعده قوم عيباً على الإطلاق وليس كذلك، إلا إذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة، أو إلى ما يقبح في المعاملة، وإلا فهو حزم، والحزم فضيلة.
..... النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون كاذباً، وإما أن يكون صادقاً. فإن كان كاذباً فلقد عجل الله لي الانتصار منه على لسان نفسه، بأن حصل في جملة أهل الكذب،
وبأن نبه على فضلي بأن نسب إلي ما أنا منه بريء العرض، وما يعلم أكثر السامعين له كذبه، إما في وقته ذلك، وإما بعد بحثهم عما قال.
وإن كان صادقاً فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه:
إما أن أكون شاركته في أمر استرحت إليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة، وأمانة، فهذا أسوأ الناس حالة، وكفى به سقوطاً وضعة.
وإما أن يكون عابني بما يظن أنه عيب وليس عيباً، فقد كفاني جهله شأنه، وهو المعيب لا من عاب،
وأما أن يكون عابني بعيب هو فيّ على الحقيقة وعلم مني نقصاً أطلق به لسانه، فإن كان صادقاً: فنفسي أحق بأن ألوم منه، وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني بالحق.
وأما أمر إخواني (من نال منهم بحضرته) فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم، لكني أمتعض امتعاضا رقيقاً لا أزيد فيه أن أندم القائل منهم بحضرتي، وأجعله يتذمم ويعتذر ويخجل ويتنصل، وذلك بأن أسلك به طريق ذم من نال من الناس، وأن نظر المرء في أمر نفسه والتهمم بإصلاحها أولى به من تتبع عثرات الناس، وبأن أذكر فضل صديقي فأبكته على اقتصاره على ذكر العيب دون ذكر الفضيلة، وأن أقول: إنه لا يرضى بذلك فيك، فهو أولى بالكرم منك، فلا ترض لنفسك بهذا، أو نحو هذا من القول.
وأما أن أهارش القائل فأحميه وأهيج طباعه وأستثير غضبه، فينبعث منه في صديقي أضعاف ما أكره، فأنا الجاني حينئذ على صديقي، والمعرض له بقبيح السب، وتكراره فيه، وإسماعه من لم يسمعه، والإغراء به، وربما كنت أيضاً في ذلك جانياً على نفسي ما لا ينبغي لصديقي أن يرضاه لي، من إسماعي الجفاء والمكروه، وأنا لا أريد من صديقي أن يذب عني بأكثر من الوجه الذي حددت، فإن تعدى ذلك إلى أن يساب النائل مني حتى يولد بذلك أن يتضاعف النيل، وأن يتعدى أيضاً إليه بقبيح المواجهة وربما إلى أبويّ وأبويه على قدر سفه النائل، ومنزلته من البذاءة وربما كانت منازعة بالأيدي، فأنا مستنقص لفعله في ذلك زارٍ عليه، متظلم منه، غير شاكر له.
لكني ألومه على ذلك أشد اللوم وبالله تعالى التوفيق.
وجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء، أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره.
وأما من طبع على الجور واستسهاله، وعلى الظلم واستخفافه، فلييأس من أن يصلح نفسه أو يُقَوِّم طباعه أبداً، وليعلم أنه لا يفلح في دين، ولا في خلق محمود.
وأما الزهو، والحسد، والكذب، والخيانة، فلم أعرفها بطبعي قط، وكأنني لا حمد لي في تركها، لمنافرة جبلتي إياها، والحمد لله رب العالمين.
من عَيْبِ حبِ الذكر، أنه يحبط الأعمال إذا أحب عاملها أن يذكر بها، فكاد يكون شركاً، لأنه يعمل لغير الله تعالى، وهو يطمس الفضائل، لأن صاحبه لا يكاد يفعل الخير حباً للخير، لكن ليذكر به.
أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك، لأنه نبه على نقصك،
وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك، لأنه نبه على فضلك،
ولقد انتصر لك من نفسه بذلك، وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.
لو علم الناقص نقصه لكان كاملاً.
لا يخلو مخلوق من عيب، فالسعيد من قلت عيوبه ودقت.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[28 - 02 - 04, 08:58 م]ـ
بوركت يا شيخ عبد الرحمن على هذه النقول الجميلة.
ورحم الله ابن حزم،ما أشد بصره بعيوب النفس!!
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[01 - 03 - 04, 08:53 ص]ـ
أخي الشيخ عمر جزاك الله خيرا ...
الإخوان والنصيحة والصداقة
إستبقاك من عاتبك، وزهد فيك من استهان بسيئاتك.
العتاب للصديق كالسبك للسبيكة، فأما تصفو وإما تطير.
من طوى من إخوانك سره الذي يعنيك دونك، أخون لك ممن أفشى سرك، لأن من أفشى سرك فإنما خانك فقط، ومن طوى سره دونك منهم، فقد خانك واستخونك.
لا ترغب فيمن يزهد فيك، فتحصل على الخيبة والخزي.
لا تزهد فيمن يرغب فيك، فإنه باب من أبواب الظلم، وترك مقارضة الإحسان، وهذا قبيح.
¥