تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أكتم سر كل من وثق بك، ولا تفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم، من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه، وإن كان أخص الناس بك.

وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك، ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه، وإن لم يعتمدك بالرغبة، ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل، ولا تبن إلا على أن من أحسنت إليه أول مضر بك، وساع عليك، فإن ذوي التراكيب الخبيثة، يبغضون لشدة الحسد كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم.

لا تنصح على شرط القبول،

ولا تشفع على شرط الإجابة،

ولا تهب على شرط الإثابة،

لكن على سبيل استعمال الفضل، وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة، وبذل المعروف.

حد الصداقة الذي يدور على طرفي محدوده هو: أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر، ويسره ما يسره، فما سفل عن هذا فليس صديقاً، ومن حمل هذه الصفة فهو صديق، وقد يكون المرء صديقاً لمن ليس صديقه.

وليس كل صديق ناصحاً، لكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه.

وحد النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر، ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه، وإن يسره ما نفعه، سر الآخر أو ساءه، فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة.

وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها من شاركك بنفسه، وبماله لغير علة توجب ذلك، وآثرك على من سواك.

ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء، فإن ذلك فضيلة تامة متركبة، لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم، والجود، والصبر، والوفاء .. والعفة ... وتعليم العلم، وبكل حالة محمودة.

ولسنا نعني الشاكرية والأتباع أيام الحرمة، فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء، والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك. ودليل ذلك انحرافهم عند انحراف الدنيا. ولا نعني أيضاً المصادقين لبعض الأطماع، .... ، والمتآلفين على النيل من أعراض الناس، والأخذ في الفضول، وما لا فائدة فيه، فليس هؤلاء أصدقاء. ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض، وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم، وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل، إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية، وإما لنفس المحبة المجردة فقط.

ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم، وصعوبة الحال في إرضائهم، والغرر في مشاركتهم، وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم، فإن غدرت بهم أو أسلمتهم، لؤمت وذممت، وإن وفيت، أضررت بنفسك، وربما هلكت، وهذا لا يرضى الفاضل بسواه، إذا تنشب في الصداقة، وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم، كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[02 - 03 - 04, 06:29 ص]ـ

وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح، ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به، وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء، إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير، وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه.

بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة، لأن من سمع إنساناً يذم آخر ظالماً له، أو يكيده ظالماً له، فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد، كان الكاتم لذلك ظالماً مذموماً، ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى، فيكون ظالماً له، وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه، فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول. والرأي للعاقل في مثل هذا، إن يحفظ المقول فيه من القائل فقط، دون أن يبلغه ما قال، لئلا يقع في الاسترسال زائد فيهلك. وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد، وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد، ولا يزد على هذا شيئاً.

وأما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه، وبالله التوفيق.

النصيحة مرتان: فالأولى: فرض وديانة، والثانية: تنبيه وتذكير، وأما الثالثة: فتوبيخ وتقريع، وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام، اللهم إلا في معاني الديانة، فواجب على المرء تزداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط، تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير