تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً، وبتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك، فلا بد من التصريح. ولا تنصح على شرط القبول منك، فإذا تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة،وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة.

وليس هذا حكم العقل، ولا حكم الصداقة، لكن حكم الأمير مع رعيته، والسيد مع عبيده.

لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك، فإن طلبت أكثر، فأنت ظالم.

ولا تكسب إلا على شرط الفقد. ولا تتول إلا على شرط العزل، وإلا فأنت مضر بنفسك خبيث السيرة.

من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها، أو أردت ابتداءه بقضائها، فلا تعمل له إلا ما يريد هو لا ما تريد أنت، و إلا فأمسك، فإن تعديت هذا كنت مسيئاً لا محسناً، ومستحقاً للوم منه ومن غيره لا للشكر، ومقتضياً للعداوة لا للصداقة.

لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه، ولا ينتفع بمعرفته، فهذا فعل الأرذال.

ولا تكتمه ما يستضر بجهله، فهذا فعل أهل الشر، ولا يسرك أن تمدح بما ليس فيك، بل ليعظم غمك بذلك، لأنه نقصك ينبه الناس عليه، ويسمعهم إياه، وسخرية منك وهزؤ بك، ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل.

ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك، بل افرح به، فإنه فضلك ينبه الناس عليه، ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح، وسواء مدحت به أو لم تمدح، واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم، وسواء ذممت به أو لم تذم.

من سمع قائلاً يقول في امرأة صديقه قول سوء، فلا يخبره بذلك أصلاً، لا سيما إذا كان القائل عيابة، وقاعاً في الناس، سليط اللسان، أو دافع معرة عن نفسه، يريد أن يكثر أمثاله في الناس، وهذا كثير موجود. وبالجملة فلا يحدث الإنسان إلا بالحق، وقول هذا القائل لا يدري أحق هو أم باطل، إلا أنه في الديانة عظيم.

فإن سمع القول مستفيضاً من جماعة، وعلم أن أصل ذلك القول شائع وليس راجعاً إلى قول إنسان واحد، أو اطلع على حقيقته إلا أنه لا يقدر أن يوقف صديقه على ما وقف هو عليه، فليخبره بذلك بينه وبينه في رفق، وليقل له: النساء كثير، أو حصن منزلك، وثقف أهلك، أو اجتنب أمراً كذا، وتحفظ من وجه كذا. فإن قبل المنصوح وتحرز فحظ نفسه أصاب، وإن رآه لا يتحفظ ولا يبالي أمسك ولم يعاوده بكلمة، وتمادى على صداقته إياه، فليس في أن لا يصدقه في قوله ما يوجب قطيعته، فإن اطلع على حقيقة وقدر أن يوقف صديقه على مثل ما وقف عليه هو من الحقيقة، ففرض عليه أن يخبره بذلك، وأن يوقفه على الجلية. فإن غير فذلك، وإن رآه لا يغير اجتنب صحبته؛ فإنه رذل لا خير فيه ولا نقية.

ودخول رجل متستر في منزل المرء، دليل سوء لا يحتاج إلى غيره. ودخول المرأة في منزل رجل على سبيل التستر مثل ذلك أيضاً. وطلب دليل أكثر من هذين سخف.

وواجب أن يجتنب مثل هذه المرأة وفراقها على كل حال، وممسكها لا يبعد عن الدياثة.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[03 - 03 - 04, 04:21 ص]ـ

الناس في أخلاقهم على سبع مراتب، فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب، وهذه صفة أهل النفاق من العيابين، وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم، وطائفة تذم في المشهد والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين، وطائفة تمدح في الوجه والمغيب، وهذه صفة أهل الملق والطمع، وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب، وهذه صفة أهل السخف والنواكة. وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة، ويثنون بالخير في المغيب، أو يمسكون عن الذم. وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة، فيمسكون في المشهد، ويذمون في المغيب، وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلونا.

إذا نصحت ففي الخلاء وبكلام لين، ولا تسند سب من تحدثه إلى غيرك فتكون نماماً، فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير، وقد قال الله تعالى "فقولا له قولاً ليناً" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنفروا"، وإن نصحت بشرط القبول منك فأنت ظالم، ولعلك مخطئ في وجه نصحك، فتكون مطالباً بقبول خطئك وبترك الصواب.

لكل شيء فائدة، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة، وهي أنه توقد طبعي، واحتدم خاطري، وحمي فكري، وتهيج نشاطي، فكان ذلك سبباً إلى تواليف لي عظيمة المنفعة، ولولا استثارتهم ساكني، واقتداحهم كامني، ما انبعثت لتلك التواليف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير