تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا تصاهر إلى صديق ولا تبايعه، فما رأينا هذين العملين إلا سبباً للقطيعة، وإن ظن أهل الجهل أن فيهما تأكيداً للصلة فليس كذلك، لأن هذين العقدين داعيان كل واحد إلى طلب حظ نفسه. والمؤثرون على أنفسهم قليل جداً، فإذا اجتمع طلب كل امريء حظ نفسه، وقعت المنازعة، ومع وقوعها فساد المروءة،

الطمع أصل لكل ذل، ولكل هم، وهو خلق سوء ذميم. وضده نزاهة النفس، وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم، لأنه رأى قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها، وكانت فيه نجدة انتجت له عزة نفسه فتنزه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل حببت إليه القناعة وقلة الطمع.

فإذن، نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات. فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الصفات الأربع، وهي الجبن والشح والجور والجهل. والرغبة طمع مستوفى متزايد مستعمل، ولولا الطمع ما ذل أحد لأحد. وأخبرني أبو بكر بن أبي الفياض قال: كتب عثمان بن محامس على باب داره بأستجة يا عثمان لا تطمع.

من امتحن بقرب من يكره، كمن امتحن ببعد من يحب ولا فرق.

اقنع بمن عندك، يقنع بك من عندك.

السعيد في المحبة هو من ابتلي بمن يقدر أن يلقي عليه قفله، ولا تلحقه في مواصلته تبعة من الله عز وجل ولا ملامة من الناس.

إذا ارتفعت الغيرة فأيقن بارتفاع المحبة.

الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل، لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره، وإن يتعدى غيره إلى حرمته؛ ومن كانت النجدة طبعاً له، حدثت فيه عزة، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام.

أخبرني بعض من صحبناه في الدهر عن نفسه، أنه ما عرف الغيرة قط، حتى ابتُلي بالمحبة فغار. وكان هذا المخبر فاسد الطبع، خبيث التركيب، إلا أنه كان من أهل الفهم والجود.

كنا نظن أن العشق في ذوات الحركة والحدة من النساء أكثر، فوجدنا الأمر بخلاف ذلك، وهو في الساكنة الحركات أكثر، ما لم يكن ذلك السكون بلهاً.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[14 - 05 - 04, 06:31 م]ـ

الأخلاق والعادات

التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف وفي أنه لا معنى له ...

وأما من استعمل من الزي ما أمكنه مما به إليه حاجة وترك التزيد مما لا يحتاج إليه فهذا عين من عيون العقل والحكمة كبير. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة في كل خير والذي أثنى الله تعالى على خلقُه والذي جمع الله تعالى فيه أشتات الفضائل بتمامها وأبعده عن كل نقص يعود المريض مع أصحابه راجلاً في أقصى المدينة بلا خُفٍ ولا نعل ولا قلنسوة ولا عمامة ويلبس الشعر إذا حضره وقد يلبس الوشي من الحبرات إذا حضره ولا يتكلف ما لا يحتاج إليه ولا يترك ما يحتاج إليه ويستغني بما وجد عما لا يجد. ومرة يمشي راجلاً حافياً ومرة يلبس الخف ويركب البغلة الرائعة الشهباء ومرة يركب الفرس عرياً ومرة يركب الناقة ومرة يركب حماراً ويردف عليه بعض أصحابه ومرة يأكل التمر دون خبز والخبز يابساً ومرة يأكل العناق المشوية والبطيخ بالرطب والحلواء يأخذ القوت ويبذل الفضل ويترك ما لا يحتاج إليه ولا يتكلف فوق مقدار الحاجة ولا يغضب لنفسه ولا يدع الغضب لربه عز وجل.

الثبات الذي هو صحة العقد والثبات الذي هو اللجاج مشتبهان اشتباهاً لا يفرق بينهما إلا عارف بكيفية الأخلاق. والفرق بينهما أن اللجاج هو ما كان على الباطل أو ما فعله الفاعل نصراً لما نشب فيه وقد لاح له فساده أو لم يلح له صوابه ولا فساده وهذا مذموم وضده الإنصاف.

وأما الثبات الذي هو صحة العقد فإنما يكون على الحق أو على ما اعتقده المرء حقاً ما لم يلح له باطله وهذا محمود وضده الاضطراب.

وإنما يلام بعض هذين لأنه ضيع تدبر ما ثبت عليه وترك البحث عما التزم أحق هو أم باطل؟

حد العقل استعمال الطاعات والفضائل، وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل. وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل. قال الله تعالى حاكياً عن قوم " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " ثم قال تعالى مصدقاً لهم " فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير ".

وحد الحمق استعمال المعاصي والرذائل ... ولا واسطة بين العقل والحمق إلا السخف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير