تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب تم لا يرزقون منه حظاً. فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه فصح أنه موهبة من الله تعالى فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.

ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم ثم من أصناف علمك الذي تختص به. فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم من ذلك فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها فهو أولى وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيراً فلتهن نفسك عندك حينئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل بما علمت منه فلعلمك عليك حجة حينئذ ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً. واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر فليسقط عجبك بالكلية. ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة فتهون نفسك عليك.

ما رأيت العجب في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها.

وإن أعجبت بجاهك في دنياك فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه ولعلهم ممن يستحيا من التشبه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم فاستهن بكل منزلة شاركك فيها من ذكرت لك.

وإن أعجبت بمالك فهذه أسوأ مراتب العجب فانظر في كل ساقط خسيس هو أغنى منك في تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت.

وإن أعجبت بمدح إخوانك لك ففكر في ذم أعدائك إياك فحينئذ ينجلي عنك العجب. فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيك ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له فليست إلا منزلة من ليس لله تعالى عنده نعمة يحسد عليها عافانا الله.

فإن استحقرت عيوبك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل إطلاعهم عليها فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مسكة من تمييز.

وإن أعجبت بنسبك فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة. أو يستر لك عورة أو ينفعك في آخرتك ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك وربما فيما أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام ثم ولادة الخلفاء ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء ثم ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الإسلام. فتأمل غبراتهم وبقاياهم ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة وتلفهم في غاية السقوط والرذالة والتبدل والتحلي بالصفات المذمومة فلا تغتبط بمنزلة هم فيها نظراؤك أو فوقك. ثم لعل الآباء الذين تفخر بهم كانوا فساقاً وشربة خمور ولاطة ومتعبثين ونوكى أطلقت الأيام أيديهم بالظلم والجور فأنتجوا ظلماً وآثاراً قبيحة تبقي عارهم بذلك الأيام ويعظم إثمهم والندم عليها يوم الحساب. فإن كان كذلك فاعلم أن الذي أعجبت به من ذلك داخل في العيب والخزي والعار والشنار لا في الإعجاب.

واعلم أن التعسف وسوء الملكة لمن خولك الله تعالى أمره من رقيق أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة.

وأما الاستطالة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس والخلق وعجز ومهانة. ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل جرذ، أو بقتل برغوث، أو بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة.

.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[18 - 05 - 04, 11:47 م]ـ

وقد يكون العجب لغير معنى ولغير فضيلة في المعجب وهذا من عجيب ما يقع في هذا الباب وهو شيء يسميه عامتنا "التمترك" وكثيراً ما نراه في النساء وفيمن عقله قريب من عقولهن من الرجال، وهو عجب من ليس فيه خصلة أصلاً لا علم ولا شجاعة ولا علو حال ولا نسب رفيع ولا مال يطغيه وهو يعلم مع ذلك أنه صفر من ذلك كله لأن هذه الأمور لا يغلط فيها من يقذف بالحجارة وإنما يغلط فيها من له أدنى حظ منها.

ولقد تسببت إلى سؤال بعضهم في رفق ولين عن سبب علو نفسه واحتقاره الناس؟

فما وجدت عنده مزيداً على أن قال لي: أنا حر لست عبد أحد.

فقلت له: أكثر من تراه يشاركك في هذه الفضيلة فهم أحرار مثلك إلا قوماً من العبيد هم أطول منك يداً وأمرهم نافذ عليك وعلى كثير من الأحرار. فلم أجد عنده زيادة.

ودواء من ذكرنا الفقر والخمول فلا دواء لهم أنجع منه وإلا فداؤهم وضررهم على الناس عظيم جداً فلا تجدهم إلا عيابين للناس وقاعين في الأعراض مستهزئين بالجميع مجانبين للحقائق مكبين على الفضول. وربما كانوا مع ذلك متعرضين للمشاتمة والمهارشة وربما قصدوا الملاطمة والمضاربة عند أدنى سبب يعرض لهم.

إياك والامتداح فإن كل من يسمعك لا يصدقك وإن كنت صادقاً بل يجعل ما سمع منك من ذلك في أول معايبك. وإياك ومدح أحد في وجهه فإنه فعل أهل الملق وضعة النفوس وإياك وذم أحد لا بحضرته ولا في مغيبه فلك في إصلاح نفسك شغل.

من بديع ما يقع في الحسد قول الحاسد إذا سمع إنساناً يغرب في علم ما: هذا شيء بارد لم يتقدم إليه ولا قاله قبله أحد. فإن سمع من يبين ما قد قاله غيره قال: هذا بارد وقد قيل قبله. وهذه طائفة سوء قد نصبت أنفسها للقعود على طريق العلم يصدون الناس عنها ليكثر نظراؤهم من الجهال.

لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل.

الخطأ في الحزم خير من الخطأ في التضييع.

من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه فإنه يلوح له وجه تعسفه.

قلما رأيت أمراً أمكن فضيع إلا فات فلم يمكن بعد.

الغالب على الناس النفاق ومن العجب أنه لا يجوز مع ذلك عندهم إلا من نافقهم.

أشد الناس استسهالا للعيوب بلسانه هو أشدهم استسهالاً لها بفعله.

اللقاء يذهب بالسخائم فكأن نظر العين للعين يصلح القلوب.

الذل عند النفوس الكريمة أشد من المرض والخوف والهم والفقر، وهو أسهل المخوفات عند ذوي النفوس اللئيمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير