ويناقش هذا القول: بأن المعاوضة الحاصلة هنا ليست معاوضة نقد بنقد، وإنما معاوضة بين نقد وحق، وهو حق المتقدم في تقدمه للاقتراض من صندوق التنمية، كما قيل في المناقشة للدليل السابق، إن المعاوضة ليست معاوضة عن ذات القرض حتى تصبح معاوضة نقد بنقد آخر، ولا شك أن بينهما فرقاً، وهو أيضاً فرق دقيق؛ لأن المتقدم في حال المعاوضة عن الحق لا يملك مبلغ القرض، وإنما يملك حق التقدم فعاوض عنه بالتنازل به لغيره.
ويقال أيضاً: لو كانت المعاوضة معاوضة نقد عن نقد لكان المبلغ المدفوع كبيراً؛ فإنه من غير المعقول أن يدفع الإنسان ثلاثين ألف ريال مثلاً ليحصل على ثلاثمائة ألف، مما يدل على أن المعاوضة واقعة بين العوض والحق.
ثالثاً: أن المعاوضة عن حق التقدم لصندوق التنمية غرر بيِّن؛ لأن المعاوض عن هذا الحق بين أمرين: إما أن يخرج الاسم وينزل القرض فيكون المعاوض غانماً، وإما ألا يخرج الاسم فيكون غارماً، ومعلوم أن الغرر منهي عنه شرعاً، كما في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_، أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم، وإذا كان العقد يتضمن غرراً فإنه عقد محرم، إذن فالمعاوضة عن حق التقدم لا تجوز.
ويناقش هذا القول بالمنع من وجود الغرر في المعاوضة عن حق التقدم لصندوق التنمية العقاري فلا غرر فيه البتة؛ لأن المعاوضة ليست واقعة بين العوض والقرض، بل المعاوضة واقعة بين العوض والحق، وحق التقدم لا غرر فيه؛ لأن الحق المعاوض عنه معلوم بيِّّن، بغض النظر هل يخرج الاسم أو لا يخرج؟
رابعاً: أن في المعاوضة عن حق التقدم لصندوق التنمية العقاري تقدماً على حق الغير؛ لأن المتقدمين لطلب القرض كل واحد منهم له مرتبة لا يتعداها ولا يتأخر عنها، فإذا عاوض شخص من خارج المتقدمين عن حق أحدهم فمعناه أنه تقدم على من بعد من نزل منزلته؛ لأن هذا المعاوض جاء من خارج الترتيب، ذكره شيخنا ابن عثيمين في تعليقه على (الكافي).
ويناقش هذا القول بعدم التسليم أن في المعاوضة عن حق التقدم لصندوق التنمية العقاري تقدماً على حق الغير؛ لأن كل واحد ممن هو في سلم الترتيب في مكانه لم يتأخر عنه، فمثلاً لو قدر أن صاحب التقدم رقم (3) في الترتيب وعاوضه شخص ونزل منزلته، فإن رقم (4) (5) وهلم جرا كل في محله لم يتأخر عنه، وإنما حل هذا المعاوض محل من عاوضه.
الراجح:
الذي يظهر لي – والله أعلم بالحق – أن المعاوضة عن حق التقدم لصندوق التنمية معاوضة جائزة؛ لما تقدم من أدلة دالة على الجواز، وهذه الأدلة لا معارض لها؛ لأن المعاوضة هنا من قبيل المعاوضة عن الحق الذي قد عده الناس مالاً وتمولوه فيما بينهم،
لكن يبقى النظر في واقع هذه المسألة بالنسبة لتنظيمات الدولة الخاصة بالصندوق، وبالنظر فيها يتبين ما يأتي:
أن بعض الدول قد منعت من التنازل حتى يستلم المستقرض آخر دفعة من الدفع المقدمة لبناء المسكن، ثم يقوم المتنازل له أو المستقرض بتسديد قسطين من أقساط الصندوق، وبعد ذلك يتم نقل القرض باسم المتنازل له، ومعنى ذلك أن المُعاوِض عن حق التقدم قبل نزول القرض وبعد نزوله حتى يتم استلامه كاملاً وتسديد قسطين لن ينقل حق التقدم باسمه، وإنما سيبقى باسم المستقرض الأصلي، وهذا الأمر يترتب عليه كذب وتحايل على الدولة، خصوصاً إذا رغب المتنازَل له في أرضٍ غير الأرض التي قدم الطلب عليها؛ لأنه سيجري عملية بيع صورية باسم المستقرض الأصلي على أن الأرض له، وإذا تم الأمر بهذه الصورة وقدر الله أن توفي المستقرض الأصلي، أو أنكر المتنازل مع عدم وجود توثيق لما حصل، فإنه سيضيع حق المعاوض عن حق التقدم؛ لأن الأوراق الثبوتية كلها باسم المستقرض الأصلي.
أيضاً فإن للدولة في تنظيماتها نظراً ومقصداً في عدم المعاوضة عن حق التقدم؛ ذلك أن الدولة تسعى للاستقرار الاجتماعي، وذلك بتوفير السكن المناسب للمواطن، وقد يحتاج المواطن في أثناء مدة انتظار نزول الاسم إلى شيء من المال، فيعاوض عن حق تقدمه، ولأجل الحد من هذه الصورة مُنِع من هذا الشيء ليبقى أمر مسكنه بعيداً عن المتاجرة، وكذا بعيداً عن نفقاته التي قد يظن أنها ضرورية، وهي من باب الكماليات وأمر السكن أهم منها.
د. خالد المشيقح
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_article_main.cfm?id=374