وهذا وإن كان قد ذكره أبو بكر النقاش وغيره من المفسرين وعن النقاش ونحوه نقله الشريف المزيدي الحراني وغيره فأجل من ذكر ذلك من المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وقد بين في تفسيره أن كل ما نقل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل.
فذكر في آخر تفسيره اختلاف الناس في تفسير أبجد هوز حطي وذكر حديثا رواه من طريق محمد بن زياد الجزري عن فرات بن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تعلموا أباجاد وتفسيرها ويل لعالم جهل تفسير أبي جاد قال: قالوا يا رسول الله وما تفسيرها؟ قال؟ أما الألف فآلاء الله وحرف من أسمائه. وأما الباء فبهاء الله وأما الجيم فجلال الله وأما الدال فدين الله وأما الهاء فالهاوية وأما الواو فويل لمن سها وأما الزاي فالزاوية وأما الحاء فحطوط الخطايا عن المستغفرين بالأسحار} " وذكر تمام الحديث من هذا الجنس.
وذكر حديثا ثانيا من حديث عبد الرحيم بن واقد حدثني الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: " ليس شيء إلا وله سبب وليس كل أحد يفطن له ولا بلغه ذلك أن لأبي جاد حديثا عجيبا أما " أبو جاد " فأبى آدم الطاعة وجد في أكل الشجرة وأما " هوز " فزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض وأما " حطي " فحطت عنه خطيئته وأما " كلمن " فأكله من الشجرة ومن عليه بالتوبة " وساق تمام الحديث من هذا الجنس.
وذكر حديثا ثالثا من حديث إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ومسعر بن كدام عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم: اكتب بسم الله فقال له عيسى وما بسم الله؟ فقال له المعلم وما أدري. فقال له عيسى الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم ملكه والله إله الآلهة والرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة. أبو جاد: ألف آلاء الله وباء بهاء الله وجيم جمال الله ودال الله الدائم وهوز هاء الهاوية} " وذكر حديثا من هذا الجنس وذكره عن الربيع بن أنس موقوفا عليه.
وروى أبو الفرج المقدسي عن الشريف المزيدي حديثا عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير: ا بـ ت ث من هذا الجنس.
ثم قال ابن جرير: ولو كانت الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صحاح الأسانيد لم يعدل عن القول بها إلى غيرها ولكنها واهية الأسانيد غير جائز الاحتجاج بمثلها ; وذلك أن محمد بن زياد الجزري الذي حدث حديث معاوية بن قرة عن فرات عنه غير موثوق بنقله وأن عبد الرحيم بن واقد الذي خالفه في رواية ذلك عن الفرات مجهول غير معروف عند أهل النقل وأن إسماعيل بن يحيى الذي حدث عن ابن أبي مليكة غير موثوق بروايته ولا جائز عند أهل النقل الاحتجاج بأخباره.
قلت: إسماعيل بن يحيى هذا يقال له التيمي كوفي معروف بالكذب ورواية إسماعيل بن عياش في غير الشاميين لا يحتج بها بل هو ضعيف فيما ينقله من أهل الحجاز وأهل العراق بخلاف ما ينقله عن شيوخه الشاميين ; فإنه حافظ لحديث أهل بلده كثير الغلط في حديث أولئك وهذا متفق عليه بين أهل العلم بالرجال وعبد الرحمن بن واقد لا يحتج به باتفاق أهل العلم وفرات بن السائب ضعيف أيضا لا يحتج به فهو فرات بن أبي الفرات ومحمد بن زياد الجزري ضعيف أيضا.
وقد تنازع الناس في أبجد هوز حطي فقال طائفة هي أسماء قوم قيل أسماء ملوك مدين أو أسماء قوم كانوا ملوكا جبابرة.
وقيل: هي أسماء الستة الأيام التي خلق الله فيها الدنيا.
والأول اختيار الطبري.
وزعم هؤلاء أن أصلها أبو جاد مثل أبي عاد وهواز مثل رواد وجواب. وأنها لم تعرب لعدم العقد والتركيب.
والصواب: أن هذه ليست أسماء لمسميات وإنما ألفت ليعرف تأليف الأسماء من حروف المعجم بعد معرفة حروف المعجم ولفظها: أبجد هوز حطي ليس لفظها أبو جاد هواز.
ثم كثير من أهل الحساب صاروا يجعلونها علامات على مراتب العدد فيجعلون الألف واحدا والباء اثنين والجيم ثلاثة إلى الياء ثم يقولون الكاف عشرون. . .
وآخرون من أهل الهندسة والمنطق يجعلونها علامات على الخطوط المكتوبة أو على ألفاظ الأقيسة المؤلفة كما يقولون: كل ألف بـ وكل بـ ج فكل ألف ج.
ومثلوا بهذه لكونها ألفاظا تدل على صورة الشكل والقياس لا يختص بمادة دون مادة.
كما جعل أهل التصريف لفظ " فعل " تقابل الحروف الأصلية والزائدة ينطقون بها.
ويقولون: وزن استخرج " استفعل " وأهل العروض يزنون بألفاظ مؤلفة من ذلك ; لكن يراعون الوزن من غير اعتبار بالأصل والزائد: ولهذا سئل بعض هؤلاء عن وزن نكتل فقال نفعل وضحك منه أهل التصريف.
ووزنه عندهم نفتل فإن أصله نكتال وأصل نكتال: نكتيل.
تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم لما جزم الفعل سقطت كما نقول مثل ذلك في نعتد ونفتد من اعتاد يعتاد واقتاد البعير يقتاده.
ونحو ذلك في نقتيل فلما حذفوا الألف التي تسمى لام الكلمة صار وزنها. وجعلت " ثمانية " تكون متحركة: وهي الهمزة وتكون ساكنة وهي حرفان على الاصطلاح الأول وحرف واحد على الثاني والألف تقرن بالواو والياء لأنهن حروف العلة ولهذا ذكرت في آخر حروف المعجم ونطقوا بأول لفظ كل حرف منها إلا الألف فلم يمكنهم أن ينطقوا بها ابتداء فجعلوا اللام قبلها فقالوا: " لا " والتي في الأول هي الهمزة المتحركة فإن الهمزة في أولها.
وبعض الناس ينطق بها " لام ألف " والصواب أن ينطق بها " لا " وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا: أن العلم لا بد فيه من نقل مصدق ونظر محقق.
وأما النقول الضعيفة لا سيما المكذوبة فلا يعتمد عليها.
وكذلك النظريات الفاسدة والعقليات الجهلية الباطلة لا يحتج بها.
¥