تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعلوم أن الظالم لنفسه إن أريد به من اجتنب الكبائر والتائب من جميع الذنوب فذلك مقتصد أو سابق، فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو عن ذنب، لكن من تاب كان مقتصدًا، أو سابقًا، كذلك من اجتنب الكبائر كفرت عنه السيئات، كما قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، فلابد أن يكون هناك ظالم لنفسه موعود بالجنة ولو بعد عذاب يطهر من الخطايا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: أن ما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب مما يجزي به، ويكفر عنه خطاياه، كما في الصحيحين /عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المؤمن من وَصَب ولا نَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزَن، ولا غَمٍّ، ولا أذًى، حتى الشوكة يُشَاكُهَا، إلا كَفَّر الله بها من خطاياه)،وفي المسند وغيره أنه لما نزلت هذه الآية: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] قال أبو بكر: يا رسول الله، جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءًا، فقال: (يا أبا بكر، ألست تَنْصَب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فذلك مما تجزون به).

وأيضًا، فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعد ما دخلوها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار. وهذه الأحاديث حجة على الطائفتين: [الوعيدية] الذين يقولون: من دخلها من أهل التوحيد لم يخرج منها، وعلى [المرجئة الواقفة] الذين يقولون: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد، أم لا؟! كما يقول ذلك طوائف من الشيعة والأشعرية، كالقاضي أبي بكر وغيره. وأما ما يذكر عن غلاة المرجئة أنهم قالوا: لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد، فلا نعرف قائلاً مشهورًا من المنسوبين إلى العلم يذكر عنه هذا القول.

وأيضًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد لشارب الخمر المجلود مرات بأنه يحب الله ورسوله، ونهى عن لعنته، ومعلوم أن من أحب الله ورسوله أحبه الله ورسوله بقدر ذلك. وأيضًا، فإن الذين قذفوا عائشة أم/ المؤمنين كان فيهم مُسْطَح بن أثاثَة، وكان من أهل بدر، وقد أنزل الله فيه لما حلف أبو بكر ألا يصله: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]. وإن قيل: إن مسطحًا وأمثاله تابوا، لكن الله لم يشرط في الأمر بالعفو عنهم، والصفح والإحسان إليهم التوبة. وكذلك حَاطِبُ بن أبي بَلْتَعَةَ كاتب المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أراد عمر قتله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك أن الله قد اطَّلَعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم).

وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ولم يشترط مع ذلك توبة، وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل. وإذا قيل: إن هذا لأن أحدًا من أولئك لم يكن له إلا صغائر، لم يكن ذلك من خصائصه أيضًا. وأن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم، وأيضًا قد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:

أحدها: التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، قال تعالى: / {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]. وأمثال ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير