تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السبب الثاني: الاستغفار، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أذنب عبد ذنبًا فقال: أي رب، أذنبت ذنبًا فاغفرلي. فقال: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم أذنب ذنبًا آخر، فقال: أي رب، أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، فليفعل ما شاء)، قال ذلك في الثالثة، أو الرابعة، وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: (لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولَجَاء بقوم يذنبون، ثم يستغفرون فيغفر لهم).

وقد يقال على هذا الوجه: الاستغفار هو مع التوبة، كما جاء في حديث: (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم مائة مرة)،وقد يقال: بل الاستغفار بدون التوبة ممكن واقع، وبسط هذا له موضع آخر، فإن هذا الاستغفار إذا كان مع التوبة مما يحكم به عام في كل تائب، وإن لم يكن مع التوبة فيكون في حق بعض المستغفرين، الذين قد يحصل لهم عند الاستغفار من الخشية والإنابة ما يمحو الذنوب، كما في حديث البطاقة بأن قول: لا إله/ إلا الله ثقلت بتلك السيئات؛ لما قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات، وكما غفر للبغي بسقى الكلب لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان، وأمثال ذلك كثير.

السبب الثالث: الحسنات الماحية، كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكَفِّرَاتٌ لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر)، وقال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من حج هذا البيت فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)،وقال: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده، تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقال: (من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار حتى فرجه بفرجه). وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح. وقال: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).

وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا: الحسنات إنما تكفر الصغائر فقط، فأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة، كما قد جاء في بعض الأحاديث: (ما اجتنبت الكبائر)،فيجاب عن هذا بوجوه:

/أحدها: أن هذا الشرط جاء في الفرائض، كالصلوات الخمس، والجمعة، وصيام شهر رمضان، وذلك أن الله تعالى يقول: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات، وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلابد أن يكون لها ثواب آخر، فإن الله ـ سبحانه ـ يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].

الثاني: أنه قد جاء التصريح في كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (غفر له وإن كان فَرَّ من الزَّحْفِ). وفي السنن: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب. فقال: (اعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار). وفي الصحيحين في حديث أبي ذر: (وإن زنا، وإن سرق).

الثالث: أن قوله لأهل بدر ونحوهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) إن حمل على الصغائر، أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم. فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر، لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة، لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير