تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرابع: أنه قد جاء في غير حديث: (أن أول ما يحاسب عليه العبد من/ عمله يوم القيامة الصلاة، فإن أكملها وإلا قيل: انظروا، هل له من تَطَوُّع، فإن كان له تطوع أكملت به الفريضة، ثم يصنع بسائر أعماله كذلك). ومعلوم أن ذلك النقص المكمل لا يكون لترك مستحب، فإن ترك المستحب لا يحتاج إلى جُبْرَان، ولأنه ـ حينئذ ـ لا فرق بين ذلك المستحب المتروك والمفعول، فعلم أنه يكمل نقص الفرائض من التطوعات. وهذا لا ينافي من أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، مع أن هذا لو كان معارضًا للأول لوجب تقديم الأول لأنه أثبت وأشهر، وهذا غريب رفعه، وإنما المعروف أنه في وصية أبي بكر لعمر، وقد ذكره أحمد في [رسالته في الصلاة].

وذلك لأن قبول النافلة يراد به الثواب عليها. ومعلوم أنه لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة، فإنه إذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبرًا لها وإكمالا لها. فلم يكن فيها ثواب نافلة، ولهذا قال بعض السلف: النافلة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره يحتاج إلى المغفرة، وتأول على هذا قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء: 79]. وليس إذا فعل نافلة وضيع فريضة تقوم النافلة مقام الفريضة مطلقًا، بل قد تكون عقوبته على ترك الفريضة أعظم من ثواب النافلة.

فإن قيل: العبد إذا نام عن صلاة أو نسيها، كان عليه أن يصليها إذا ذكرها بالنص والإجماع، فلو كان لها بدل من التطوعات لم يجب القضاء. قيل: هذا خطأ، فإن قيل: هذا يقال في جميع مسقطات العقاب، فيقال: إذا كان العبد/ يمكنه رفع العقوبة بالتوبة لم ينه عن الفعل، ومعلوم أن العبد عليه أن يفعل المأمور ويترك المحظور؛ لأن الإخلال بذلك سبب للذم والعقاب، وإن جاز مع إخلاله أن يرتفع العقاب بهذه الأسباب، كما عليه أن يحتمى من السموم القاتلة، وإن كان مع تناوله لها يمكن رفع ضررها بأسباب من الأدوية. والله عليم حكيم رحيم، أمرهم بما يصلحهم، ونهاهم عما يفسدهم، ثم إذا وقعوا في أسباب الهلاك لم يؤيسهم من رحمته، بل جعل لهم أسبابًا يتوصلون بها إلى رفع الضرر عنهم؛ ولهذا قيل: إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معاصى الله؛ ولهذا يؤمر العبد بالتوبة كلما أذنب، قال بعضهم لشيخه: إني أذنب. قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟! قال: إلى أن تُحزِن الشيطان. وفي المسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب العبد المُفَتَّنَ التواب).

وأيضًا، فإن من نام عن صلاة، أو نسيها فصلاته إذا استيقظ أو ذكرها كفارة لها، تبرأ بها الذمة من المطالبة ويرتفع عنه الذم والعقاب، ويستوجب بذلك المدح والثواب، وأما ما يفعله من التطوعات فلا نعلم القدر الذي يقوم ثوابه مقام ذلك، ولو علم فقد لا يمكن فعله مع سائر الواجبات، ثم إذا قدر أنه أمر بما يقوم مقام ذلك صار واجبًا، فلا يكون تطوعًا والتطوعات شرعت لمزيد التقرب إلى الله، كما قال تعالى في الحديث الصحيح: (ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه)، الحديث. /فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر، لم يحصل له مقصود النوافل، ولا يظلمه الله، فإن الله لا يظلم مثقال ذرة، بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض، كمن عليه ديون لأناس يريد أن يتطوع لهم بأشياء، فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلا محسنا، وإن وفاهم ولم يتطوع كان عادلاً، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم وجعل ذلك تطوعًا، كان غالطا في جعله، بل يكون من الواجب الذي يستحقونه.

ومن العجب أن المعتزلة يفتخرون بأنهم أهل التوحيد، والعدل! وهم في توحيدهم نفوا الصفات نفيًا يستلزم التعطيل، والإشراك، وأما العدل الذي وصف الله به نفسه، فهو ألا يظلم مثقال ذرة، وأنه: من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، وهم يجعلون جميع حسنات العبد وإيمانه حابطًا بذنب واحد من الكبائر، وهذا من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه، فكان وصف الرب ـ سبحانه ـ بالعدل الذي وصف به نفسه أولى من جعل العدل هو التكذيب بقدر الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير