وظهر بعد اللوثرية مذاهب وألوان دينية جديدة لاسيما في القرن السابع عشر وكان من أهم أسباب ظهورها انتشار الإنجيل بلغات حية كثيرة فدخل الجميع من الباب الذي فتحه لوثر ومنها (الكالفينية = كالفن) (الجزويت = اجناثيوس) (الكويكرز = جورج فوكس) (الويزلية = جون ويزلي) ومع أنها اتجهت كلها تقريباً لمحاربة الكنيسة الكاثوليكية أو مخالفتها فقد برزت في المقابل محاولات لإعادة الوحدة الدينية لأوربا.
ولكن حدث في المرحلة التالية من الدواهي ما أذهل الكنائس جميعها وأنساها شيئاً من الخلافات فيما بينها وأن شئت فقل غمرها إلى حين.
ـ[حديث الروح]ــــــــ[17 - 03 - 02, 11:19 ص]ـ
ونعني بذلك التحولات الكبرى في الحياة الأوربية التي يسمونها جميعاً ثورات وأهمها:-
1 - الثورة العلمية.
2 - الثورة الفرنسية.
3 - الثورة الصناعية.
ويهمنا الآن الحديث عن الأولى منها:-
لقد كان العلم (وبالدقة العلم + موقف الكنيسة الأحمق من العلماء) يمثل الثورة الكبرى التي نسفت خرافات الكنيسة وأطاحت بعرشها وقوضت وجودها الطاغي إلى الأبد (كما نسفت في الوقت نفسه أرسطو ونظرياته في العلم والفن والحياة).
وقد صدرت بيانات هذه الثورة تباعاً:-
نظرية كوبرنيق عن الأجرام السماوية 1540م.
تطوير النظرية على يد تيكو براهي 1575م.
نظرية جاليليو في الحركة وصنع المرقب 1597م.
قوانين كبلر الثلاثة 1620م.
نظرية الجاذبية وقوانين الحركة لنيوتن 1687م.
أول نظرية كونية وضعها لابلاس 1780م.
وصاحب ذلك متأثراً به نظريات سياسية واقتصادية واجتماعية قدمت بيانات مساندة للثورة:-
1 - المكيافيللية في السياسة: مكيافيللي يؤلف الأمير سنة 1513م.
2 - ظهور الفلسفة الحديثة على يد ديكارت 1650م.
3 - النظرية الطبيعية للدولة والمجتمع "التنين" هوبز 1679م.
4 - سبينوزا 1677م يؤسس مدرسة النقد التاريخي للكتب النصرانية المقدسة [18] ويجاهر بنبذ النصرانية في السياسة والأخلاق والاعتقاد بوحدة الوجود.
5 - تطوير نظرية هوبز وفلسفة ديكارت على يد لوك 1704م.
6 - فيكو 1744م ينادي بإحلال الوضع الإنساني محل الوحي الإلهي.
7 - آراء جديدة في المنطق: باركلي 1753م.
8 - رفض النصرانية والإيمان بالشك المطلق: هيوم 1776م.
9 - ولادة النظرية الرأسمالية في كتاب "ثروة الأمم " آدم سمث 1776م.
10 - نظرية العقد الاجتماعي وتقديس العاطفة لا العقل: روسو 1778م.
11 - فولتير 1784م يجاهر بالكفر بالأديان ويطالب بمجتمع علماني.
12 - ديدرو 1784م والموسوعيون الفرنسيون يضعون دائرة المعارف لتكون بديلاً عن الكتاب المقدس (كتبت بين عامي 1751 - 1777).
وهكذا نكون قد اقتربنا من الثورة الثانية التي هي نتيجة لهذه الأولى.
ففي سنة 1789م حدثت الثورة الفرنسية فأضحت معلماً فاصلاً لا في تاريخ الفكر والأدب فحسب بل في التاريخ عامة.
ومنذ عصر النهضة حتى ظهور الثورة الفرنسية كانت " الكلاسيكية " هي السائدة على الأدب الأوربي.
وقيمة الأدب الكلاسيكي تتمثل في مضمونه الأخلاقي والتزامه المدرسي وحديثه الدائم عما ينبغي أن تكون عليه الحياة.
فالنهايات الكلاسيكية (في المسرحية والملحمة سواء) تأتي دائماً انتصاراً للحق والفضيلة، إنه دعوة إلى الحكمة العملية لكنها لا تخاطب الناس باسم الدين ضرورة كما أنه كان في جوانب منه لا يهدف إلى أكثر من إعطاء أكبر قدر من المتعة للقارئ ولو كانت متعة لغوية تقوم على أنواع المحسنات اللفظية وإثبات القدرة على الحذلقة، وكان المسرح من احتكار الطبقة الأرستقراطية (الملوك والنبلاء) تفوح منه روائح العهر والفحش والإباحية وغمزات دائمة للدين ورجاله
ونتيجة التغييرات الطارئة وجرياً على سنة التذبذب في التاريخ الأوربي تحول الأدب الأوربي من الكلاسيكية إلى نقيضها " الرومانسية ".
والرومانسية هي ارتداد صوفي ولكن موضوعه ليس الرب كما في رهبانية النصارى بل " الطبيعة " وهي لا تهدف إلى التوجيه العقلي للناس عن طريق حكمة القدماء بل إلى الإشباع العاطفي الذي يجعل الذات محور العالم.
إنها مزيج من اليأس الرهباني والهروب من الواقع الذي كلما تقدمت المعرفة العقلية أظهرت أنه أكثر قتامة وكآبة.
وهكذا كان محورها الدائم هو البؤس، البؤس الديني كما في " الفردوس المفقود" [19] أو البؤس الأخلاقي كما في " البؤساء " [20] أو البؤس العاطفي والنفسي الذي عبر عنه " روسو "!!.
فلئن كان الأوربيون قبل اعتناق النصرانية يعبدون الحجارة والأشجار والحيوان والكواكب فإن الرومانسية الهاربة من النصرانية قد جمعت هذه الأوثان جميعاً في صنم واحد سمته " الطبيعة " وجعلت محل التراتيل الكنسية تلك الأشعار الوجدانية التي تتعشق المعبود الجديد، كما فعل رمزها الكبير روسو في " راهب سافوي "
حقاً وجد الفكر الأوربي في الرومانسية راحة من الكد المنطقي الذي أرهق مفكري عصر النهضة وما بعدها نتيجة البحث العقيم في الكليات والماهيات والعلاقة بين العقل والمادة والتطلع اليائس إلى معرفة كنه الأشياء منطقياً، واستطلاع الميتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة!!
كما وجدوا فيها مهرباً من الالتزام بالمعايير الخلقية عامة، واستطاعوا إحلال المعايير الجمالية المجردة محلها.
كما كانت الرومانسية ملاذاً لأولئك النفر الذين أزعجتهم الحروب القومية والدينية التي لم تهدأ قط [21]، حيث فتحت لهم مجال تعويض الذات القانطة المغتربة في صراع ليس لها له ما يبرره عندها، كما فعل " همنغواي " في وداعاً أيها السلاح " بعد حوالي قرنين.
¥