وكذلك قال أبوالمعالي الجويني رحمه الله (يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام , فلو عرفتُ أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ مما اشتغلت به) وقال عند موته (لقد خضتُ البحر الخِضم , وخليتُ أهل الإسلام وعلومهم , ودخلتُ في الذي نَهوني عنه , والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته , فالويل لابن الجويني , وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي , أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور).
وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي – وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي – لبعض الفضلاء , وقد دخل يوماً فقال (ما تعتقد؟ قال: ما يعتقده المسلمون , فقال: وأنتَ مُنشرح الصدر لذلك مستيقن به؟ أو كما قال , فقال: نعم , فقال: اشكر الله على هذه النعمة , لكنِّي – والله! – ما أدري ما أعتقد , - والله! – ما أدري ما أعتقد! - والله! – ما ادري ما أعتقد!) وبكي حتى أخضل لحيته.
وبن أبي الحديد الفاضل المشهور بالعراق:
فيكَ يا أغلوطة الفكَر ... حارَ أمري وانقضى عمري
سافرتْ فيك العقول فما ... ربحت إلا أذى السفر
فلحى الله الاُلَى زعموا ... أنَّك المعروف بالنظر
كذبوا إن الذي ذكروا ... خارجٌ عن قوة البشر
وقال الخونجي عند موته (ما عرفتُ مما حصلته شيئاً أن الممكن يفتقر إلى المرجِّح) ثم قال (الافقتارُ وصفٌ سلبيٌّ , أموت وما عرفتُ شيئاً).
وقال آخر (أضطجع على فراشي , وأضع الملحفة على وجهي , وأقابل بين حُجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر , ولم يترجَّح عندي منها شيء)
إلى أن قال شارح الطحاوية (وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز , فيُقر بما أٌروا به , ويُعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك , التي كان يقطع بها ثم تبين له فسادها , أو لم يتبين له صحتها , فيكونون في نهاياتهم – إذا سلموا من العذاب – بِمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب).
وكان أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في حيرة واضطراب في صفات الله عز وجل , ثم صار إلى مذهب السلف , وألف رسالة نُصح لبعض مشايخه من الأشاعرة , وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/ 174 - 187.
وأعتذر لجميع الأخوة على هذا الانقطاع الطويل وذلك بسبب الدراسة , وإن شاء الله سأحاول أن أكون معكم يومياً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[العوضي]ــــــــ[17 - 06 - 04, 04:07 م]ـ
الفائدة الثامنة
هل صحيح أنَّ أكثرَ المسلمين في هذا العصر أشاعرة؟
الأشاعرة هم المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري , وهو علي بن إسماعيل المتوفى سنة 330هـ رحمه الله , وقد مر في العقيدة بثلاثة أطوار: كان على مذهب المعتزلة , ثم في طور بين الاعتزال والسنة , يثبت بعض الصفات ويؤول أكثرها , ثم انتهى أمره إلى اعتقاد ما كان عليه سلف الأمة , إذ أبان عن ذلك في كتابه الإبانة , الذي هو من آخر كتبه أو آخرها , فبين أنه في الاعتقاد على ما كان عليه إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره من أهل السنة , وهو إثبات كلّ ما أثبته الله لنفسه , وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات , على ما يليق بالله , من غري تكييف أو تمثيل , ومن غير تحريف أو تأويل , كما قال الله عز وجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
والأشاعرة باقون على مذهبه الذي كان عليه قبل الانتقال إلى مذهب أهل السنة والجماعة , وقد اشتهر عند بعض الناس مقولةٌ أن الأشاعرة في هذا العصر يُمثلون 95% من المسلمين , وهذه المقولة غير صحيحة من وجوه:
الأول: أن إثبات مثل هذه النسبة إنما يكون بإحصاء دقيق يؤدي إلى ذلك وهو غير حاصل , وهي مجرد دعوى.
الثاني: أنه لو سُلم أنهم بهذه النسبة , فإن الكثرة لا تدل على السلامة وصحة العقيدة , بل السلامة وصحةُ المعتقد إنما تحصل باتباع ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة ومن سار على نهجهم , وليست باتباع معتقد توفي صاحبُه في القرن الرابع , وقد رجع عنه , وليس من المعقول أن يُحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتابعهم , ثم يكون في اتباع اعتقاد حصلت ولادته بع أزمانهم.
¥