ـ[العوضي]ــــــــ[28 - 01 - 05, 02:08 م]ـ
7 - خَلَقَ الإنسانَ , ويَعلمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسُه , وهو أَقَرَبُ إليهِ من حَبْلِ الوَريدِ , وما تَسْقُطُ إلاَّ يَعلَمُها ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَات الأرضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلا يابِس إلاَّ في كتاب مُبين
علم الله محيطٌ بكل شيء , فقد علم أزلاً ما كان وما سيكون , وما لم يكن أن لو كان كيف يكون , كما قال الله عز وجل (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) , فأخبر عن أمر لا يكون , وهو رجوعُ الكفار إلى الدنيا , وأنهم أو رُدوا لعادوا لما نُهوا عنه , وقال الله عز وجل (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) , وقال تعالى (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه ... ) , وقال تعالى (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) , وقال (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) , وقال (عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) , وكل ما هو كائن في الوجود من حركة أو سكون قد سبق به علمُ الله , ولا يحصل لله علم في شيء لم يكن معلوماً له من قبل أزلاً >
قال شيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أَضواء البيان 1/ 75 - 76 عند قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ... ) قال (ظاهرُ هذه الآية قد يُتوهم منه الجاهل أنه تعال يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه , سبحانه وتعالى عن ذلك علواًّ كبيراً , بل هو تعالى عالمٌ بكلِّ ما سيكون قبل أن يكون , وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه بقوله جلا وعلا " وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " , فقوله " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " بعد قوله " وَلِيَبْتَلِيَ " دليل قاطعٌ على أنه لم يستفيد بالاختيار شيئاً لم يكن عالماً به , سبحانه وتعالى عن ذلك علواًّ كبيراً , لأن العليم بذات الصدور غنيٌّ عن الاختبار , وفي هذه الآية بيانٌ عظيمٌ لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختبارَه لخلقه , ومعنى " إِلَّا لِنَعْلَمَ " أي: علماً يترتبُ عليه الثواب والعقاب , فلا يُنافي أنه كان عالماً به قبل ذلك , وفائدةُ الاختبار ظهور الأمر للناس , أما عالمُ السرِّ والنجوى فهو عالمٌ بكل ما سيكون كما لا يخفى).
وأما قول الله عز وجل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فقد فُسر بتفسيرين:
أحدهما: قُرُبه بالعلم والقُدرة والإحاطة , وهذا الذي يظهر من كلام ابن أبي زيد رحمه الله.
والثاني: قُربُ الملائكة , نظير قوله في الواقعة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) وقد رجحه ابن كثير في تفسيره , وابن القيم كما في مختصر الصواعق 2/ 268 , وقد جاء في القرآن الكريم ذكرُ الضمير بلفظ التعظيم والمرادُ به الملائكة , كما في قول الله عز وجل (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) والذي قرأه على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريلُ , وقوله (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ) , وهو إنما جادل الملائكة , كما قال الله عز وجل (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ... ) الآية.
¥