فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا البدع، صغيرها و كبيرها، واعلموا أن من ابتدع بدعة في الإسلام فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة قال الله: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) ().
قال رسول الله ?: (من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا) ().
وقال ?: (ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل)) (). ()
ماذا يريد الدعاة إلى الاحتفال بالمولد النبوي على التحديد؟
يصور دعاة الاحتفال والاحتفاء بيوم مولد الرسول ? على أنه هو مقتضى المحبة والتعظيم لرسول الله ?، وأن يوم مولده يوم مبارك ففيه أشرقت شمس الهداية، وعم النور هذا الكون، وأن الرسول ? كان يصوم يوم الاثنين، ولما سئل عن ذلك قال: [هذا يوم ولدت فيه وترفع الأعمال إلى الله فيه، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم]، وأنه إذا كان العظماء يحتفل بمولدهم ومناسبتهم فالرسول ? أولى لأنه أعظم العظماء وأشرف القادة ..
ويعرض دعاة الاحتفال بالمولد هذه القضية على أنها خصومة بين أحباب الرسول ? وبين أعدائه وخلاف بين من يعظمون الرسول ? ويقدرونه وينتصرون له، وبين من يهملونه، ولا يحبونه ولا يضعونه في الموضع اللائق به.
ولا شك أن عرض القضية على هذا النحو هو من أعظم التلبيس وأكبر الغش لجمهور الناس، وعامة المسلمين، فالقضية ليست على هذا النحو بتاتاً فالذين لا يرون جواز الاحتفال بمولد الرسول ? خوفاً من الابتداع في الدين هم أسعد الناس حظاً بمحبة النبي ? وطاعته، فهم أكثر الناس تمسكاً بسنته، واقتفاءاً لآثاره، وتتبعاً لحركاته وسكناته، وإقتداء به في كل أعماله ?، وهم كذلك أعلم الناس بسنته وهديه ودينه الذي أرسل به، وأحفظ الناس لحديثه، وأعرف الناس بما صح عنه وما افتراه الكذابون عليه، ومن أجل ذلك هم الذابون عن سنته، والمدافعون في كل عصر عن دينه وملته وشريعته بل إن رفضهم للاحتفال بيوم مولده وجعله عيداً إنما ينبع من محبتهم وطاعتهم له , فهم لا يريدون مخالفة أمره، ولا الافتئات عليه، ولا الاستدراك على شريعته لأنهم يعلمون جازمين أن إضافة أي شيء إلى الدين إنما هو استدراك على الرسول ? لأن معني ذلك أنه لم يكمل الدين، ولم يبلغ النبي ? كل ما أنزل الله إليه أو أنه استحيا أن يبلغ الناس بمكانته ومنزلته، وما ينبغي له، وهذا أيضا نقص فيه، لأن وضع الرسول ? في مكانته من الدين الذي أمر الرسول? بتبليغه وقد فعل ?، فقد بين ما يجب على الأمة نحوه أتم البيان فقال مثلا:) لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (().
وقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: [لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك] فقال - أي عمر-: فأنت الآن أحب إلي من نفسي، فقال: [الآن يا عمر])).
والشاهد أن الرسول ? لا يستحي من بيان الحق، ولا يجوز له كتمانه، ولا شك أن من أعظم الحق أن يشرح للناس واجبهم نحوه، وحقه عليهم، ولو كان من هذا الحق الذي له أن يحتفلوا بيوم مولده لبينه وأرشد الأمة إليه.
وأما كونه كان يصوم يوم الاثنين وأنه علل ذلك أنه يوم ولد فيه، ويوم ترفع الأعمال إلي الله فيه، فإن أحباب الرسول ? على الحقيقة يصومون هذا اليوم من كل أسبوع إقتداء بالنبي ? في ذلك.
وأما أولئك الملبسون فإنهم يجعلون الثاني عشر من ربيع الأول يوم عيد ولو كان خميساً أو ثلاثاءً أو جمعةً.
وهذا لم يقله ولم يفعله رسول الله ?، فلم يثبت أنه صام الثاني عشر من ربيع الأول، ولا أمر بصيامه.
فاستنادهم في إحياء ذكرى المولد، وجعل الثاني عشر من ربيع الأول عيداً لأن الرسول ? صام يوم الاثنين تلبيس على عامة الناس وتضليل لهم.
والخلاصة:
أن الذين يُتهمون بأنهم أعداء الرسول ? ومنكروا فضله، وجاحدوا نعمته، كما يدّعي الكذابون هم أسعد الناس حظا بإتباع الرسول ?، ومحبته، وهم الذين علموا دينه وسنته على الحقيقة.
وأما أولئك الدعاة إلي الاحتفال بالمولد فدعوتهم هذه نفسها هي أول الحرب لرسول الله ?، وأول الكذب عليه، والاستهانة بحقه.
¥