لأنها مزاحمةٌ له في التشريع واتهام له أنه ما بيّن الدين كما ينبغي، وترك منه ما يستحسن، وأهمل ما كان ينبغي ألا يغفل عنه من شعائر محبته وتعظيمه وتوقيره، وهذا أبلغ الأذى لرسول الله ?.
وهذه نقطة الفصل في هذه القضية، وبداية الطريق لمعرفة من اهتدى ومن ضل فيها.
فدعاة المولد - بدعوتهم إليه - مخالفون لأمره ?، مفتئتون عليه، مستدركون على شريعته، ونفاة المولد متبعون للرسول ?، متابعون لسنته، محبون له، معظمون لأمره غاية التعظيم متهيبون أن يستدركوا عليه ما لم يأمر به، لأنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم حذرهم من ذلك فقال: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد] () و {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} ().
مَنْ هَؤُلاَءِ؟ ومَنْ هَؤُلاَءِ؟
وهنا يأتي السؤال من الداعون إلى المولد ومن الرافضون له؟.
والجواب أن الرافضين للمولد () هم أصحاب النبي ? الكرام، ونقول الرافضين - تجوزاً- فالمولد هذا ما كان في عصرهم قط، ولم يعرفوه أبدا، ولا خطر ببالهم أصلا، وعلى هذا كان التابعون وتابعوهم وأئمة السلف جميعاً ومنهم الأئمة الأربعة أعلام المذاهب الفقهية المشهورة.
وعلماء الحديث قاطبةً إلا من شذ منهم في عصور متأخرة عن القرون الثلاثة الأولى قرون الخير، وكل من سار على دربهم ومنوالهم إلى يومنا هذا.
وهؤلاء هم السلف والأمة المهتدية الذين أمرنا الله بإتباعهم والترضي عنهم، وفيهم الخلفاء الراشدون المهديون الذين أمرنا الرسول ? باتباع سنتهم فقال: [عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة] ().
فهل كان هؤلاء ممن جعل يوم مولده عيداً، ومن خصه بشيء من العبادات أو العادات أو التذكير أو الخطب، أو المواعظ.
وإذا كانت الأمة الصالحة هي ما ذكرنا وهي التي لم تحتفل بيوم مولده، وتركت ذلك تعظيماً للرسول ? لا إهانة له، ومعرفة بحقه لا جحوداً لحقه، فمن إذن الذين ابتدعوا الاحتفال بمولده، وأرادوا - في زعمهم - أن يعظموا الرسول ? بما لم يعظمه به سلف الأمة الصالح، وأرادوا أن يحيُّوُهُ ? بما لم يُحَيِّه به الله؟
والجواب: أنهم كما أشرنا من قبل ملوك الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري ومن تسمى منهم باسم (المعز لدين الله المدعي أنه الفاطمي، كان منجما مظهرا الرفض ومبطنا الكفر المحض، كان أول من ملك بلاد مصر من العبيديين قبحه الله.
قال فيه شاعره ابن هانئ:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار.
وقال فيه أيضا: ندعوه منتقما عزيزا غفار مُوبِقَةِ الذنوب.
وقال فيه: أرى مدحه كالمدح لله إنه قنوت وتسبيح يحط من الوزر.
وكان منهم من تسمى (بالحاكم بأمر الله)، وهو الذي ادعى الألوهية وأسس جملة من المذاهب الباطنية الدرزية، وأرغم المصريين على سب أبي بكر وعمر وعائشة وعلق ذلك في مساجد المسلمين ومنع المصريين من صلاة التراويح، ومن العمل نهاراً إلى العمل ليلاً ونشر الرعب والقتل واستحل الأموال وأفسد في الأرض، مما تعجز المجلدات عن الإحاطة به.
فهل يؤخذ من هؤلاء دين.
وفي عهد هؤلاء الفاطميين أيضا وبإفسادهم في الأرض أكل المصريون القطط والكلاب وأكلوا الموتى، بل وأكلوا أطفالهم.
وفي عهد هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة المولد تمكن الفاطميون والقرامطة من قتل الحجاج وتخريب الحج، وخلع الحجر الأسود.
والخلاصة:
أن بدعة المولد نشأت من هنا، وهل يقول عاقل أن هؤلاء الزنادقة الملحدون قد اهتدوا إلي شيء من الحق لم يعرفه الصديق والفاروق وعثمان وعلي والصحابة والسلف الأئمة وأهل الحديث؟ هل يكون كل هؤلاء على باطل وأولئك الكفرة الملاعين على الحق؟ وإذا كان قد اغتر بدعوتهم بعض من أهل الصلاح والتقوى وظن -جهلاً منه - أن المولد تعظيم للرسول ? ومحبة له هل يكون الجاهلون المغفلون حجة في دين الله؟!
ماذا في المولد؟ وما الذي يصنع فيه؟
ونأتي الآن إلى سؤال هام: وماذا في المولد؟ وما الذي يصنع فيه؟
¥