وأما أولئك فإن الرسول ? عندهم غير ذلك تماما فالرسول ? عند هؤلاء هو أول من خلق الله من الهباء -في زعمهم- وهو المستوي على عرش الله، والذي من نوره هُوَ خلق العرش والكرسي والسماوات والأرض، والملائكة والجن والإنس وسائر المخلوقات وهذه عقيدة ابن عربي (صاحب الفصوص والفتوحات المكية)، واقرأ في ذلك (الذهب الإبريز لعبد العزيز بن مبارك) وانظر كتاب (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة) باب: (الحقيقة المحمدية) (ص 151) وانظر فيه ما قاله محمد عبده البرهامي في كتابه (تبرئة الذمة في نصح الأمة)!!
والذي يدعي فيه أن الرسول ? قال لجبريل من يأتيك بالوحي يا جبريل؟ فقال جبريل تمتد يد من خلف الحجاب فتعطني الآيات فآتيك بها .. فكشف الرسول ?في زعمهم - عن يده وقال مثل هذه يا جبريل؟! (فقال جبريل متعجبا: منك وإليك يا محمد) فانظر هذه هي عقيدتهم في الرسول ? أنه أنزل الوحي من السماء وتلقاه في الأرض.
وقد فصَّل هذه العقيدة عبد الكريم الجيلي الصوفي الزنديق في كتابه (الإنسان الكامل) .. فأنظره إن شئت.
فالرسول ? عندهم ليس هو الرسول عندنا بل هو عند أساطينهم ومحققيهم هو الله المستوي على العرش، وعند جهلائهم وأغبيائهم هو المخلوق من نور العرش، أو من نور الله وهؤلاء ربما يعتقدون أن الله موجود قبل الرسول ?، وأن العرش مخلوق قبل الرسول ? .. ولكن أولئك (المحققين في زعمهم) يعتقدون أن وجود الرسول ? سابق على وجود العرش بل وجود كل مخلوق لأنه أول (التعيينات) أي أول من أصبح عيناً أي شيئاً معيناً ومن نوره تخلقت كل الخلائق بعد ذلك.
وأما المغفلون منهم فيقول يا أول خلق الله ظانين أنه مخلوق قبل كل البشر فهو عندهم مخلوق قبل آدم نفسه وأولئك يقولون يا أول خلق الله على الأرض قبل العرش والكرسي والسماوات والأرض والجنة والنار بل كل هذه في زعمهم خلقت من نور الرسول ?.
ولا شك أن هذا كفر، فالرسول ? قد خُلِق بشَراً كما يُخلق سائر البشر وكان خلقه في وقت تكونه نطفة فعلقة فمضغة .. ووليداً {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ} ().
ولا يخفى أيضاً أن هؤلاء المبتدعين لم يخطئوا فقط في حقيقة النبي ? بل كذلك أخطئوا في إعطاء كل ما يجب لله أعطوه للرسول ?، من دعاء له واستغاثة به، وعبادة بكل معاني العبادة.
وهذه أمور لا يتسع المقام لذكرها.
والخلاصة: أننا يجب أن نفهم هذا الأمر الذي يبدو صغيراً في أوله ولكنه عظيم جداً في نهايته فالاحتفال بالمولد: أوله بدعة وأخره كفر وزندقة.
والاختلاف فيه ليس كما يصوره الداعون إلى المولد أنهم ورَّاث الرسول ? وأحبابه يدافعون عن شرف النبي ? ويخاصمون من يتركون فضله ومنزلته، بل الأمر على العكس تماماً: إن المنكرين للمولد منكرون للبدعة، محبون لرسول الله ? لا يريدون مخالفة أمره، والاستدراك عليه، متبعون سنة رسول الله ?، وسنة خلفائه الراشدين، والأئمة المهديين وأما أولئك فهم على سنة الزنادقة الإسماعيلية سائرون وببدعتهم وكفرهم معتقدون، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. ()
قال الشيخ حسنين مخلوف " مفتي الديار المصرية سابقا " في الجواب عن سؤال وجه إليه ـ نصه (يقوم رجال من المنتسبين للصوفية بمراسيم في الموالد الكبيرة حول الصاري وهي أن يقف أربعة منهم كل واحد قبل الآخر مشيرا بذراعيه قابضا باسطا محركا جسمه يمنة ويسرة قائلا: يا الله يا الله بصوت مرتفع ثم يدور بعد ذلك طابوران يتقدمهم المنشد يصافح رجال كل طابور جميع من يقف في الحلقة يحدث ذلك ثلاث مرات.
فهل لذلك اصل في السنة أو في عمل السلف؟
الجواب: نحمد الله ونستغفره ونتوب إليه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , وبعد فاعلم انه لا أصل في الدين لذكر الله تعالى بهذه الهيئات المذكورة بالسؤال ولم يعرف عن السلف الصالح و لا دعا إليه العارفون من أئمة الصوفية بل هو من البدع السيئة التي استحدثها بعض أهل الطرق جهلا بهدي رسول الله ? في ذكر ربه وهو من المحرم شرعا إذا أدى التزام هذه الهيئات في الذكر إلى اعتقاد مشروعيتها وطلبها ولو على سبيل الندب وقد استقر الآن في عقائد العامة من المداومة عليها ودعوة المشايخ إليها ودفاعهم عنها واستمساكهم بها أنها من الدين بل مما لا بد منه في الذكر ونيل الثواب والأجر وهذا مما يوجب التحريم ويوقع في الإثم العظيم.
والواجب على كل قادر من العلماء ومشايخ الطرق الصوفية أن ينهى عنها ويزجر من يأتي بها ويرشده إلى خطرها وإلى أن اقتران المعصية بالطاعة مؤثم ومحبط للثواب.
أما الثواب الذي وعد الله به الذاكرين فإنما يكون لمن يذكره جل شانه بخشوع القلب وخضوع الجوارح وحضور الفكر وشهود جلال ذي الجلال لا بهذه الهيئات والحركات التي أنكرها الراسخون في العلم من السادة الصوفية منذ ابتدعت هي وأمثالها كما يعلم من الإطلاع على كثير من كتبهم وأن مقام العبودية هو المقام الأسنى الذي وصف الله تعالى به عباده المصطفين الأخيار وخاطبهم به وشرفهم بنسبته في كثير من آي القرآن الكريم ووصف به عباده الطائعين وعباده المخبتين ولا يمكن التحقق بهذا المقام إلا إذا وقف العبد بين يدي مولاه يذكره ويناجيه ويدعوه ويبتهل إليه بما شرعه سبحانه في عبادته وارشد إليه على لسان رسله وهو الذي درج عليه القدوة من سلف الأمة وصلحائها وخروج العبد عن هذا المنهج والابتداع فيه من وسوسة الشيطان التي يبغي له بها الخذلان ويرديه بها في حماة العصيان ومن العجب أن يسكت بعض المنتسبين للعلم عن إنكار هذه البدع وما فيها من الشعوذة والتدجيل الذي اعتاده بعضهم , يشهدونها ويقرونهم عليها ويجاورونهم في فعلها ويقاومون المنكرين لها الذائدين عن حمى الدين والداعين إلى سبيل رب العالمين وهدى إمام العابدين نسال الله أن يهديهم سواء السبيل ().
وللحديث بقية إن شاء الله