قال أبو سعيد: ويلك أيها المعارض! إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد أطلق على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله: ((وكلتا يديه يَمِين))؛ أي: مُنَزَّه على النقص والضعف؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، فقال: ((كِلتا يدي الرحمن يَمِين))؛ إجلالاً لله، وتعظيماً أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، وكذلك لو لم يجز إطلاق الشِّمال واليسار؛ لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يجز أن يُقال: كلتا يدي الرحمن يَمِين؛ لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قد جوزه الناس في الخلق؛ فكيف لا يجوز ابن الثلجي في يدي الله أنهما جميعاً يَمِينان، وقد سُمِّي من الناس ذا الشِّمالين، فجاز نفي دعوى ابن الثلجي أيضاً، ويخرج ذو الشِّمالين من معنى أصحاب الأيدي)).
وقال أبو يعلى الفراء في ((إبطال التأويلات)) (ص 176) بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: ((واعلم أنَّ هذا الخبر يفيد جواز إطلاق القبضة عليه، واليَمِين واليسار والمسح، وذلك غير ممتنع؛ لما بيَّنا فيما قبل من أنَّهُ لا يحيل صفاته؛ فهو بمثابة اليدين والوَجْه وغيرهما)).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر باب من ((كتاب التوحيد)) في المسألة السادسة: ((التصريح بتسميتها الشِّمال))؛ يعني: حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم.
وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه ((قطف الثمار)) (ص 66): ((ومن صفاته سبحانه: اليد، واليَمِين، والكف، والإصبع، والشِّمال000))
وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس في تعليقه على ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (ص 66): ((يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عَزَّ وجَلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط؛ فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قوله تعالى:) وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (، وكما في قوله عليه السلام: ((إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار؛ يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً)).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في ((شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 311): ((هذا؛ وقد تنوعت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات اليدين لله تعالى وإثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض وتثنيتهما، وأنَّ إحداهما يَمِين كما مر، وفي نصوص كثيرة، والأخرى شمال؛ كما في ((صحيح مسلم))، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب الطيب بيَمِينه، فيربيها لصاحبها، وأنَّ المقسطين على منابر من نور عن يَمِين الرحمن، وكلتا يديه يَمِين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله)).
وقال (ص 318و319): ((وقد أتانا صلى الله عليه وسلم بذكر الأصابع، وبذكر الكف، وذكر اليَمِين، والشِّمال، واليدين مرة مثناة، ومرة منصوص على واحدة أنه يفعل بها كذا وكذا، وأنَّ الأخرى فيها كذا؛ كما تقدمت النصوص بذلك)).
ثانياً: القائلون بأنَّ كلتا يدي الله يَمِين لا شمال ولا يسار فيهما
منهم: الإمام ابن خزيمة في ((كتاب التوحيد))، والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
1 - ما رواه مسلم في ((صحيحه)) (1827) من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين000)).
2 - حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مرفوعاً: ((أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين 000)). رواه: ابن أبي عاصم في ((السنة)) (106)، والآجري في ((الشريعة)). وصحَّحَه الألباني.
3 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لما خلق الله آدم، ونفخ فيه من روحه؛ قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم، فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة، ثم بسطها000)). رواه: ابن أبي عاصم في السنة (206)، وابن حبان (6167)، والحاكم (1/ 64) وصحَّحَه، وعنه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 56). والحديث حسَّنه الألباني في تخريجه لـ ((السنة)).
¥