و مما يدل على أن صورة التقارض المتبادل لا تدخل في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن صح الحديث (فله أوكسهما أو الربا) و معلوم أن في صورتنا هذه ليس فيها أي ربا فالمقرض و المقترض يسلمان على رأس مالهما و كل يستفيد من الآخر منفعة.
و ليس للمقرض أقل الصفقتين لأنها أصلا صفقة واحدة لا صفقتين فلا يقال إذا أنه له أقل الصفقتين فدل على أن هذه الصورة المتنازع عليها ليست داخلة في نص الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله (وقوله في الحديث المتقدم من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا هو منزل على العينة بعينها قاله شيخنا لأنه بيعان في بيع واحد فأوكسهما الثمن الحال وإن أخذ بالأكثر وهو المؤجل أخذ بالربا
فالمعنيان لا ينفكان من أحد الأمرين إما الأخذ بأوكس الثمنين أو الربا وهذا لا يتنزل إلا على العينة).
و قال رحمه الله (الدليل السادس ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي قال من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا
وللعلماء في تفسيره قولان أحدهما أن يقول بعتك بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة وهذا هو الذي رواه أحمد عن سماك ففسره في حديث ابن مسعود قال نهى رسول الله عن صفقتين في صفقة قال سماك الرجل يبيع الرجل فيقول هو علي نساء بكذا وبنقد بكذا
وهذا التفسير ضعيف فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين
والتفسير الثاني أن يقول أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالة وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره وهو مطابق لقوله فله أوكسهما أو الربا فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما وهو مطابق لصفقتين في صفقة
فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها ولا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الصفقتين فإنه أبي إلا الأكثر كان قد أخذ الربا
فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه وانطباقه عليها
ومما يشهد لهذا التفسير ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي أنه نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع فجمعه بين هذين العقدين في النهي لأن كلا منهما يؤول إلى الربا لأنهما في الظاهر بيع وفي الحقيقة ربا).
و قال رحمه الله (فنقول نظير هذا نهيه عن صفقتين في صفقة وعن بيعتين في بيعة
فروى سماك عن عبدالرحمن ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه قالنهى رسول الله عن صفقتين في صفقة
وفي السنن عن أبي هريرة عن النبي من باع بيعتين في بيعه فله أوكسهما أو الربا
وقد فسرت البيعتان في البيعة بأن يقول أبيعك بعشرة نقدا أو بعشرين ونسيئة هذا بعيد من معنى الحديث من وجهين
أحدهما أنه لا يدخل الربا في هذا العقد
الثاني أن هذا ليس بصفقتين إنما هو صفقة واحدة بأحد الثمنين
وقد ردده بين الأوليين أو الربا
ومعلوم أنه إذا أخذ بالثمن الأزيد في هذا العقد لم يكن ربا
فليس هذا معنى الحديث
وفسر بأن يقول خذ هذه السلعة بعشرة نقدا وآخذها منك بعشرين نسيئة وهي مسألة العينة بعينها
وهذا هو المعنى المطابق للحديث
فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الثمنين فإن أخذه أخذ أوكسهما وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا
فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا
ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى وهذا هو بعينه الشرطان في بيع
فإن الشرط يطلق على العقد نفسه
لأنهما تشارطا على الوفاء به فهو مشروط والشرط يطلق على المشروط كثيرا كالضرب يطلق على المضروب والحلق على المحلوق والنسخ على المنسوخ
فالشرطان كالصفقتين سواء
فشرطان في بيع كصفقتين في صفقة وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى فتأمل نهيه في حديث ابن عمر عن بيعتين في بيعه وعن سلف وبيع
رواه أحمد
ونهيه في هذا الحديث عن شرطين في بيع وعن سلف في بيع فجمع السلف والبيع مع الشرطين في البيع ومع البيعتين في البيعة
وسر ذلك أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا وهو ذريعة إليه
أما البيعتان في بيعة فظاهر فإنه إذا باعه السلعة إلى شهر ثم اشتراها منه بما شرطه له كان قد باع بما شرطه له بعشرة نسيئة
ولهذا المعنى حرم الله ورسوله العينة
¥