تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما السلف والبيع فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل ولولا هذا البيع لما أقرضه ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك

فظهر سر قوله لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع وقول ابن عمر نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع واقتران إحدى الجملتين بالأخرى لما كانا سلما إلى الربا

ومن نظر في الواقع وأحاط به علما فهم مراد الرسول من كلامه ونزله عليه

وعلم أنه كلام من جمعت له الحكمة وأوتي جوامع الكلم فصلوات الله وسلامه عليه وجزاه أفضل ما جزى نبيا عن أمته

وقد قال بعض السلف اطلبوا الكنوز تحت كلمات رسول الله ولما كان موجب عقد القرض رد المثل من غير زيادة كانت الزيادة ربا

قال ابن المنذر أجمعوا على أن السلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية

فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربآ وقد روى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس أنهم نهوا عن قرض جر منفعة وكذلك إن شرط أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا لم يجز لأنه سلم إلى الربا

ولهذا نهى عنه النبي ولهذا منع السلف رضي الله عنهم من قبول هدية المقترض إلا أن يحتسبها المقرض من الدين

فروى الأثرم أن رجلا كان له على سماك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما فسأل ابن عباس فقال أعطه سبعة دراهم

وروي عن ابن سيرين أن عمر أسلف أبي بن كعب عشرة آلاف درهم فأهدى إليه أبي من ثمرة أرضه فردها عليه ولم يقبلها فأتاه أبي فقال لقد علم أهل المدينة أني من أطيبهم ثمرة وأنه لا حاجة لنا

فبم منعت هديتنا ثم أهدى إليه بعد ذلك فقبل فكان رد عمر لما توهم أن تكون هديته بسبب القرض

فلما تيقن أنها ليست بسبب القرض قبلها

وهذا فصل النزاع في مسألة هدية المقترض

وقال زر بن حبيش قلت لأبي بن كعب إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق فقال إنك تأتي أرضا فاش بها الربا فإن أقرضت رجلا قرضا فأتاك بقرضك ليؤدي إليك قرضك ومعه هدية فاقبض قرضك واردد عليه هديتهذكرهن الأثرم

وفي صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فذكر الحديث وفيه ثم قال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل دين فأهدى إليك حمل تبن أو حمل قت أو حمل شعير فلا تأخذه فإنه ربا قال ابن أبو موسى ولو أقرضه قرضا ثم استعمله عملا لم يكن يستعمله مثله قبل القرض كان قرضا جر منفعه قال ولو استضاف غريمه ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك حسب له ما أكله

واحتج له صاحب المغني بما روى ابن ماجه في سننه عن أنس قال قال رسول الله إذا اقترض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على دابته فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك

واختلفت الرواية عن أحمد فيما لو أقرضه دراهم وشرط عليه أن يوفيه إياها ببلد إخر ولا مؤنة لحملها فروى عنه أنه لا يجوز وكرهه الحسن وجماعة ومالك والأوزاعي والشافعي وروي عنه الجواز

نقله ابن المنذر لأنه مصلحة لهما فلم ينفرد المقترض بالمنفعة وحكاه عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الأسود وأيوب والثوري وإسحاق واختاره القاضي

ونظير هذا ما لو أفلس غريمه فأقرضه دراهم يوفيه كل شهر شيئا معلوما من ربحها جاز

لأن المقترض لم ينفرد بالمنفعة

ونظيره ما لو كان عليه حنطة فأقرضه دراهم يشتري له بها حنطة ويوفيه إياها

ونظير ذلك أيضا إذا أقرض فلاحه ما يشتري به بقرا يعمل بها في أرضه أو بذرا يبذره فيها

ومنعه ابن أبي موسى

والصحيح جوازه وهو اختيار صاحب المغني

وذلك لأن المستقرض إنما يقصد نفع نفسه ويحصل انتفاع المقرض ضمنا فأشبه أخذ السفتجة به وإيفاءه إياه في بلد آخر من حيث إنه مصلحة لهما جميعا

والمنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض وركوب دوابه واستعماله وقبول هديته

فإنه لا مصلحة له في ذلك بخلاف هذه المسائل فإن المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان عليها فهي من جنس التعاون والمشاركة).

معذرة على إطالة النقل و لكن لما تضمنت هذه النقول فوائد جليلة في مسائل مهمة جدا و نوازل خطيرة تخبط بها كثير من المشايخ و طلبة العلم خبط عشواء فشددوا على أنفسهم و على المسلمين و ضيقوا هذا الدين على أهل مع أن الله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة و هي وفقهم الله تعالى لكل خير يأبون إلا أن يوقعوا الأمة في الحرج.

و كلام ابن القيم الأخير (والمنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض كسكنى دار المقترض وركوب دوابه واستعماله وقبول هديته

فإنه لا مصلحة له في ذلك بخلاف هذه المسائل فإن المنفعة مشتركة بينهما وهما متعاونان عليها فهي من جنس التعاون والمشاركة) هو عين ما توصلنا إليه و أن القرض المتبادل ليس من القرض الذي جر منفعة و إنما هو من التعاون و المشاركة و الله تعالى إنما نهى عنما يضر الناس و لم ينه عنما ينفعهم و علوم لمن تدبر القرض المتبادل أنه من أعظم المنافع للناس فليس كل احد يقدر على أن يدخر مالا لحاجته فعند الدخول في مثل هذه الجمعيات يلتزم بدفع مبلغ شهري لهذه الجمعية حتى يحين دوره فيأخذ المبلغ المجموع ليستفيد منه و هذه المنفعة ليست منقطعة كالقرض المحض بل مستمرة مع استمرار الجمعية و هذا يدل على أن مشروعيتها أشد من مشروعية القرض المحض.

و الله اعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير