[مقال في خطأ شائع في رد شبهة للمستشرقين!!]
ـ[سلطان العتيبي]ــــــــ[13 - 03 - 04, 02:09 ص]ـ
بين عصمة النبي صلى الله عليه وسلَّم وبشريته
كنت أستمع لإمام الحي - وهو أحد طلبة العلم الأفاضل – في درسه بالمسجد , وقد أدهشني كلام ذكره عن شبهة للمستشرقين مجملها الطعن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلَّم بسبب كثرة أزواجه , وجعلوا هذه شهوانية مذمومة قبحهم الله , فطفق أخونا برد الشبهة فرد الخطأ بآخر!!
فمما ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلَّم لم يكن يتزوج لشهوة , ولكن لمقاصد ومآرب دعوية بحتة , ثم بدأ يفصل في كيفية المآرب الدعوية , وهي إما لأجل دخول أقارب الزوجة الإسلام وإما لغيرها من الفوائد التي تذكر من باب المصلحة .... !!
ولاشك أن هذه مقاصد موجودة ربما في بعض الزيجات , ولكن جعلها هي المقصد الرئيسي ثم تجريد النبي صلى الله عليه وسلَّم من فحولته التي تحمد العرب مثلها خطأ فادح قد انتشر في الكتب التي تتكلم على هذه الشبهه , وهو ردٌ على البدعة بمثلها , وبيان ذلك يكون بأمور:
أولاً: لا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلَّم له الكمال البشري ولكنه لم يعطى خصائص الملائكة , فهو بشرٌ له ماللبشر , ويعتريه ما يعتري البشر إلا ما أخرجه الدليل!
قال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى)
وكذلك كانت رسل الله , قال تعالى عنهم: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم)!!
فلم يكن يميزهم عن بقية البشر إلا أنهم رسل وما يتبع ذلك من العصمة وغيرها من الخصائص التي ثبتت بالدليل.
ثانياً: إذا كان ذلك كذلك فلا يخرج الرسول صلى الله عليه وسلَّم من بشريته ويجرد عن آدميته حتى يجعل في مقام من لاتميل نفسه في شهوة مباحة أبداً , إنما هو كالملك لا يبتلى ولا يمتحن بذلك , وبعد هذا يظن القائل أنه بهذا ينزهه , ولم يعلم أنه أعطاه صفات سلب لا مدح فيها كما قرر هذه القاعدة شيخ الإسلام في التدمرية.
ثالثاً: ينبغي أن يفرق بين أمرين:
1 - الهوى والشهوة المستقرة في النفس البشرية وهي مجبولة عليها.
2 - اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك.
فأما النوع الأول فليس بمذموم شرعاً ولا عقلاً ...
فأما عقلاً فلأجل أن ليس للأنسان يدٌ في ذلك البتة , فكيف يذم في شيء قد ركزت في الطباع ... !!
بل أذهب أبعد من ذلك - ولست أبالغ - , أن من لم يكن ذي شهوة فهو ناقص عن أقرانه , فمن لا يشتهي النساء رجل ناقص الذكورة؛ فلا يمدح بذلك عرفاً ولا يرغبه الناس , بل هو عيب يحق للقاضي أن يفرق بين الزوجين بسببه وهو ما يسمى (العنين)!!
فإذا كان نقص هذه الشهوة عيب = فما يقابلها كمال بشري يمدح صاحبها.
وأما وجه عدم ذمها شرعاً - أعني بذلك الشهوة المستقرة في النفس – فيدل عليه ما أخرجه البخاري (4788) ومسلم (1464) عن عائشة t قالت:
(كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم , وأقول: أتهب المرأة نفسها؟!
فلما أنزل الله تعالى: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)
قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك!!)
فإذا وافق الهوى الشرع فلا يذم.
وبذا تعلم خطأ الحافظ ابن حجر في الفتح كما سنبينه بعد قليل!!
وأما القسم الثاني وهو اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك؛ فهذا هو المذموم , فالنصوص جاءت بذم الإتباع للهوى لا وجود الهوى!!
فمن ذلك قوله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) وقوله تعالى: (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى , فإن الجنة هي المأوى) وهكذا جاءت بقية النصوص , كلها تتفق على ذم اتباع الهوى لا مجرد وجوده.
وأما كلام ابن حجر المشار إليه قبل قليل فهو قوله - ناقلاً عن القرطبي ومقراً له – في الفتح شرح حديث (5113) وهو حديث عائشة السابق , قال - رحمه الله -:
(فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم لا تحمل على ظاهره , لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى , ولو قالت: إلى مرضاتك لكان أليق , ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك!!)
قلت: غفر الله لكما , هذه جارية على التفصيل السابق , بل إن عائشة t ما قالت إلا الصواب , فالله شرع لنبيه الذي وافق مايهواه ويشتهيه , فأي سوء عبارة في ذلك؟!
¥