أ – أن أصلها جميعاً هو الشكلية الروسية نفسها، وخصوصاً " جاكبسون " المحرك الأساسي لحركة براغ حيث كان يعمل ملحقاً ثقافياً لروسيا بها [40]، ثم أسست على منوالها مدرسة " كوبنهاجن " [41].
ثم حلقة " نيويورك " التي أسست بعد هجرة " جاكوبسون " إليها حيث التقى بـ "كلود ليفي شتراوس" [42] وهناك نبت من علاقتهما الفكرية الكثير من عناصر البنيوية الحديثة وأركانها، ثم ما لبث شتراوس أن أصبح زعيم البنيوية الفرنسية كما سيأتي.
ونبغ من هذه الحلقة " نعوم جومسكي " أبرز ممثلي البنيوية الأمريكية!!
وهنا لابد أن يستوقفنا دور " جاكوبسون " الكبير في تأسيس وتطوير البنيوية حتى أن بعض الباحثين يلخص ((تاريخ نشأة البنائية وتشكلاتها المختلفة في شخصيته ومغامراته العلمية ابتداءً من مطلع شبابه في موسكو حتى تخرج على يديه أجيال من الباحثين في أوربا وأمريكا، وأصبح الحجة الأولى والمرجع الأخير في علم اللغة الحديث)) [43].
فهل الأمر مصادفة؟ أم عبقرية فردية؟ أم أن هذه الحركة والشهرة الواسعة وراءها ما وراءها؟!
لعل الإجابة تأتينا من معرفة أن كلاً من زعيمي المدرستين الأمريكية والفرنسية "جومسكي وشتراوس" يهودي بل إن جومسكي تربى في الأرض المحتلة [44].
ومع أنني لم أجد من خلال بحثي المحدود ما يدل على دين "جاكوبسون" لكن ما علمناه عن دوره وما نعلمه عن دور المؤسسات المريبة في احتضان الأفكار الشاذة وتوجيهها وما هو واضح من صلته بالماركسية [45] التي هي فكرة يهودية يجعلنا على الأقل نستريب في انتمائه، ونتساءل أليس من السذاجة أن نغض الطرف عن كون رجال هذا المذهب يهوداً ورموزه توراتية ونحمل المصادفة وحدها عبء ذلك؟؟!!
ونزيد: أليست النفسية اليهودية منذ حلول غضب الله عليها مسؤولة عن كثير من المفاسد والشرور في الفكر والواقع من غير اشتراط دافع للإفساد عمداً بالضرورة، فليس من شرط الأفاعي (هكذا كما سماهم المسيح) لكي تكون شريرة أن تضع بروتوكولات للإيقاع بالحمام!!
ب – المدرسة الأمريكية " نيويورك ":
"هي التي لقيت أكبر قدر من الذيوع في العالم العربي" كما يقول الدكتور صلاح فضل [46].
ولعل الأصح - أن يقال في المشرق العربي - وهي التي تربى في أحضانها الكاتب النصراني "كمال أبو ديب" [47] الذي سار على خطاه الدكتور عبد الله الغذامي وتلميذه السريحي عندنا [48].
ج – الاتجاهات التطويرية للبنيوية [49]:
انبثق من البنيوية اتجاهات قامت بتطوير الفلسفات المعروفة وفق منهج بنيوي، أي بصياغة جديدة للفلسفات والنظريات المشهورة ومن رواد تلك الاتجاهات (إضافة إلى شتراوس وتطويره للدراسات الانتربولوجية):-
1 - "لوى التوسير" أعاد صياغة الماركسية بحيث تقرأ من منظور بنيوي لا منظور هيجلي!! وقريب منه "هنري لوفيفر" الزعيم الماركسي الحركي.
2 - "جاك لاكان " أعاد صياغة الفرويدية، بل إن كتاباته تعد في مجملها صدى لتلك النظرية، خاصة رسالته " وراء مبدأ الواقع " التي كان عنوانها محاكاة لعنوان كتاب فرويد " وراء مبدأ اللذة ".
3 - " ميشل فوكو " الذي صاغ نظرية جديدة في اللغة وأصلها وتراكيبها ووظيفتها، من خلال مصدره الخاص لاستكناه الحقيقية الإنسانية وهو "الجنون " معلناً أن المجنون يمكن أن يؤدي دور النبي عند المؤمنين بالأديان!! [50]
4 - " رولان بارت " صاغ نظرية بنيوية لتغير الأزياء (الموضة) هي في جزء منها تطوير لآراء " دوركايم " كما أحدث أثراً بالغاً في النقد الأدبي خاصة بعد أن أصبح عضواً في مجلة [ TELQUE ] صوت الاتجاه الذي يسمى ما بعد البنيوية أو (التفكيكيين) الذين ينتمي إليهم الغذامي في كتابه السالف ذكره.
3 - المدرسة الفرنسية: وهي المدرسة الرائجة في القارة الأوربية والمغرب العربي وانتشرت في المشرق العربي تبعاً لانتشار الحداثة، ولن نفصل القول فيها وإنما نوجز أهم اتجاهاتها:
1 - البنيوية الانتربولوجية: (أي التي تبحث في الإنسان وتطور حياته وعاداته الاجتماعية) وزعيمها هو اليهودي "كلود ليفي شتراوس" السالف الذكر، وقد طور اتجاهات دوركايم وفريزر عن الأساطير والعادات الاجتماعية للبدائيين وفق منظوره البنيوي وهو كثيرا ما يعلن عن ولائه الماركسي واعتناقه لمبادئ المادية الجدلية، كما أنه يميل إلى البرنامج الاشتراكي سياسياً واقتصادياً ويرى أن مستقبل الغرب والعالم كله مرهون بانتصار الاشتراكية [51].
2 - الاتجاه الماركسي: ويمثله رواد الروس المهاجرين إلى فرنسا أو الفرنسيين الماركسيين ومن أشهرهم " لوسيان جولدمان " و " لوكاش " وهما مهاجران، وتسمى بنيويتهما " البنيوية التكوينية أو التوليدية " في حين تسمى بنيوية شومسكي " التحويلية "!، وقد استمدا النظرية من " جان بياجيه " مؤسسها الأصلي ولكنهما حولاها إلى ماركسية [52].
ـ[خالد الفارس]ــــــــ[20 - 02 - 04, 01:36 ص]ـ
جزاك الله خيرا
¥