[من معاني النصيحة وشروطها]
ـ[فواز زمرلي]ــــــــ[28 - 07 - 02, 10:37 م]ـ
P
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري –رضي الله تعالى عنه-أن النبي r قال:)) الدين النصيحة –ثلاثا-)).
قلنا: لمن يا رسول الله؟
قال:)) لله-عز وجل- ولكتابه ولرسوله r- ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
هذا الحديث الشريف من الأحاديث التي لها شأن عظيم،حتى قيل:إنه أحد أرباع الدين،
قال الإمام النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله؛لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها.
فقد جعل النبي r النصيحة عماد الدين وقوامه، فجمع فيها الدين كله، إشارة لعلّو شأنها، وعظيم منفعتها.
ومعنى النصيحة: هي تحري فعل أوقول فيه صلاح صاحبه.
فهي تتضّمن: الإصلاح والصدق والإخلاص والمحبة.
فالنصيحة كلمة جامعة يعبّر بها عن جملة إرادة الخير، وليس يمكن أن يعبرعن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها.
وحتى تؤتي النصيحة ثمارها المرجوة فلا بد للناصح من أمور يجب أن يتحلى بها:
الأمر الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى: فهو شرط لصحة العمل، والوصول بالعمل إلى غايته المرجوة منه، فبقدر ما يخلص العبد لله في النصيحة، بقدر ما تثمر النصيحة من خيرٍ له وللمنصوح.
الأمر الثاني: العلم بما ينصح به، وأنه مما أمر الله به وأمر به رسوله r، فلا بد من أن ينصح بما هو مشروع مسنون.
الأمر الثالث: الستر وعدم التشهير: قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعّير.
لأنّ غرض الناصح إزالة المفسدة، لا إظهارها.
الأمر الرابع: الرفق: وهو من الأمور التي يستجلب بها الناصح إستجابة المنصوح دون أن يعقب النصيحة غل وحقد وضغينة.
الأمر الخامس: الحكمة: وهي مطلوبة في النصيحة.
فينبغي على الناصح أن يختار أفضل الأساليب، وأفضل الأوقات، وأفضل الكلام حتى تؤتي النصيحة ثمارها.
فلا بدّ من هذه الأمور حتى يستفيد الناصح فيصلح صاحبه، وإلاّ فإنّ سوء التطبيق من الممكن أن يعطي نتيجة مضادة، فيزداد الشر والفساد.
ثم بيّن النبي r مجالات النصيحة، وأنها تكون لله، ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
فالنصيحة لله: أن تخلص له، فتؤمن به وحده،وتصفه بكل كمال، وتنزهه عن كل عيب، وتطيع أوامره، وتتجنب نواهيه بجميع جوارحك، ما كان مطيقاً له.
وتعترف بنعم الله، وتشكره عليها، ولا تتوجّه إلاّ إليه، ولا تتضرّع إلى غيره.
والنصيحة لكتابه: أن تصدق وتؤمن بأنه كلام الله تعالى المنزل على محمد r وتعظم قدره وتحبه وتفهمه، وتتدبره، وتتلوه حق تلاوته، ثم ينشر ما فهمه وعلمه، فيدعو الناس إلى دراسته بالمحبة له، والتخلّق بأخلاقه، والتأدّب بآدابه.
والنصيحة للرسول r : أن تؤمن برسالته، وتعمل بسنته، وتجتهد في طاعته ونصرته، وتنشر سننه، وتتأدّب بأدبه، وتعظّم أمره.
والنصيحة لأ ئمة المسلمين: أن تحب طاعتهم، ورشدهم، وتحب اجتماع الأمة عليهم وتكره افتراقها عليهم.
فالتدين بطاعتهم في طاعة الله، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله ونصر الحق، ودفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن من معاني النصيحة لأئمة المسلمين.
والنصيحة لعلماء المسلمين ببثّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم.
والنصيحة للعامة: الشفقة عليهم، وتقديم المساعدة لهم بتعليم جاهلهم، ومداواة مريضهم والسعي في قضاء حاجاتهم، وكفّ الأذى عنهم.
وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم.
وأن يحب صلاحهم وإلفتهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم.
فالنصيحة: تتسع لكثير من أمّات الفضائل، فلو اتبعها الناس، وعملوا بها لانتظمت شوؤنهم، وساد الأمان بين الناس، وزال كثير من الشرور التي تئن منها الأفراد والجماعات،
واستقامت عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم.
فهي ركن من أركان الدين والقيام بها فرض على المسلمين.