وبينما هو يوما بالمصيصة في جماعة من أصحابه إذا جاءه راكب فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم؟ فأرشد إليه، فقال: يا سيدي، أنا غلامك، وإن أباك قد مات وترك مالا هو عند القاضي، وقد جئتك بعشرة آلاف درهم لتنفقها عليك إلى بلخ وفرس وبغلة. فسكت إبراهيم طويلا، ثم رفع رأسه فقال: إن كنت صادقا فالدراهم والفرس والبغلة لك، ولا تخبر به أحدا. ويقال إنه ذهب بعد ذلك إلى بلخ وأخذ المال من الحاكم، وجعله كله في سبيل الله.
وكان معه بعض أصحابه، فمكثوا شهرين لم يحصل لهم شيء يأكلونه، فقال له إبراهيم: أدخل إلى هذه الغيضة. وكان ذلك في يوم شات. قال: فدخلت فوجدت شجرة عليها خوخ كثير، فملأت منه جرابي، ثم خرجت، فقال: ما معك؟ فقلت: خوخ. فقال: يا ضعيف اليقين، لو صبرت لوجدت رطبا جنيا، كما رزقت مريم بنت عمران.
وشكا إليه بعض أصحابه الجوع، فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير كثيرة، فقال لصاحبه: خذ منها دينارا. فأخذه واشترى لهم به طعاما.
وذكروا أنه كان يعمل بالفاعل، ثم يذهب فيشتري الخبز الأبيض والزبد، وتارة الشواء والجوذابات، والخبيص فيطعمه أصحابه وهو صائم، فإذا أفطر يأكل من رديء الطعام، ويحرم نفسه المطعم الطيب ليؤثر به الناس؛ تأليفا لهم وتحببا وتوددا إليهم.
وأضاف الأوزاعي إبراهيم بن أدهم، فقصر إبراهيم في الأكل، فقال: ما لك قصرت؟ فقال لأنك قصرت في الطعام. ثم عمل إبراهيم طعاما كثيرا، ودعا الأوزاعي، فقال الأوزاعي: أما تخاف أن يكون سرفا؟ فقال: لا، إنما السرف ما كان في معصية الله، فأما ما أنفقه الرجل على إخوانه، فهو من الدين.
وذكر أنه حصد مرة بعشرين دينارا، فجلس مرة عند حجام هو وصاحب له ليحلق رءوسهم ويحجمهم، فكأنه تبرم بهم، واشتغل عنهم بغيرهم، فتأذى صاحبه من ذلك، ثم أقبل عليهم الحجام فقال: ماذا تريدون؟ قال إبراهيم: أريد أن تحلق رأسي وتحجمني. ففعل ذلك، فأعطاه إبراهيم تلك العشرين دينارا، وقال: أردت أن لا تحقر بعدها فقيرا أبدا.
وقال مضاء بن عيسى: ما فاق إبراهيم أصحابه بصوم ولا صلاة، ولكن بالصدقة والسخاء.
وكان إبراهيم بن أدهم يقول: فروا من الناس كفراركم من الأسد الضاري، ولا تخلفوا عن الجمعة والجماعة.
وكان إذا سافر مع أحد من أصحابه يخدمه إبراهيم، وكان إذا حضر في مجلس فكأنما على رءوسهم الطير؛ هيبة له وإجلالا.
وربما تسامر هو وسفيان الثوري في الليلة التامة إلى الصباح، وكان الثوري يتحرز معه في الكلام.
ورأى رجلا، فقيل له: هذا قاتل خالك. فذهب إليه وسلم عليه وأهدى له، وقال: بلغني أن الرجل لا يبلغ درجة اليقين حتى يأمنه عدوه.
وقال له رجل: طوبى لك؛ أفنيت عمرك في العبادة، وتركت الدنيا والزوجات. فقال: ألك عيال؟ قال: نعم. فقال لروعة الرجل بعياله - يعني في بعض الأحيان من الفاقة - أفضل من عبادة كذا وكذا سنة.
ورآه الأوزاعي ببيروت وعلى عنقه حزمة حطب فقال: يا أبا إسحاق، إن إخوانك يكفونك هذا. فقال له: اسكت يا أبا عمرو، فقد بلغني أنه إذا وقف الرجل موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة.
وخرج إبراهيم بن أدهم من بيت المقدس فمر بطبرية، فأخذته المسلحة في الطريق فقالوا: أنت عبد؟ قال: نعم. قالوا: آبق؟ قال: نعم. فسجنوه. فبلغ أهل بيت المقدس خبره، فجاءوا برمتهم إلى نائب طبرية فقالوا: علام سجنت إبراهيم بن أدهم؟ قال: ما سجنته. قالوا: بلى، هو في سجنك. فاستحضره، فقال: علام حبست؟ فقال: سل المسلحة، قالوا: أنت عبد؟ قلت: نعم، وأنا عبدالله. قالوا: وأنت آبق؟ قلت: نعم، وأنا عبد آبق من ذنوبي. فخلى سبيله.
وذكروا أنه مر مع رفقة، فإذا الأسد على الطريق، فتقدم إليه إبراهيم بن أدهم فقال له: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلا فعودك على بدئك. قالوا: فولى السبع ذاهبا يضرب بذنبه، ثم أقبل علينا إبراهيم فقال: قولوا: اللهم راعنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا، ياالله ياالله يا الله. قال خلف بن تميم: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لص ولاغيره.
وقد روى لهذا شواهد من وجوه أخر.
¥