وقال إبراهيم بن أدهم إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك، وتب إلى ربك يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع إلا من ربك.
وقال أيضا: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك، ذم مولانا الدنيا فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهدنا فيها فآثرناها، ورغبنا في طلبها، ووعدكم خراب الدنيا فحصنتموها، ونهاكم عن طلبها فطلبتموها، وأنذركم الكنوز فكنزتموها، دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها، فأجبتم مسرعين مناديها، خدعتكم بغرورها، ومنتكم فأقررتم خاضعين لأمانيها، تتمرغون في زهراتها، وتتنعمون في لذاتها، وتتقلبون في شهواتها، وتتلوثون بتبعاتها، تنبشون بمخالب الحرص عن خزائنها، وتحفرون بمعاول الطمع في معادنها.
وشكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة العيال فقال: ابعث إلي منهم من لا رزقه على الله. فسكت الرجل.
وقال إبراهيم بن أدهم مررت في بعض جبال الشام فإذا بحجر مكتوب عليه بالعربية:
كل حي وإن بقي
فمن العمر يستقي
فاعمل اليوم واجتهد
واحذر الموت يا شقي
فبينما أنا واقف أقرأ وأبكي، إذا برجل أشعث أغبر عليه مدرعة من شعر، فسلم وقال: مم تبكي؟ فقلت: من هذا. فأخذ بيدي ومضى غير بعيد، فإذا صخرة عظيمة مثل المحراب فقال: إقرأ وابك، ولا تقصر. وقام هو يصلي فإذا في أعلاه نقش بين عربي:
لا تبتغي جاها وجاهك ساقط
عند المليك وكن لجاهك مصلحا
وفي الجانب الآخر نقش بين عربي:
لا من لم يثق بالقضاء والقدر
لاقى هموما كثيرة الضرر
وفي الجانب الأيسر منه نقش بين عربي:
ما أزين التقى وما أقبح الخنا
وكل مأخوذ بما جنى وعند الله الجزا
وفي أسفل المحراب فوق الأرض بذراع أو أكثر:
إنما الفوز والغنى
في تقى الله والعمل
قال: فلما فرغت من القراءة التفت فإذا ليس الرجل هناك، فما أدري انصرف أو حجب عني؟
وقال إبراهيم بن أدهم أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان، ومن وفى العمل وفي الأجر، ومن لم يعمل رحل من الدنيا إلى الآخرة بلا قليل ولا كثير.
وقال أيضا: كل سلطان لا يكون عادلا فهو واللص بمنزلة واحدة، وكل عالم لا يكون ورعا فهو والذئب بمنزلة واحدة، وكل من خدم سوى الله فهو والكلب بمنزلة واحدة.
وقال أيضا: أعربنا في المقال حتى لم نلحن، ولحنا في الفعال حتى لم نعرب.
وقال: كنا إذا رأينا الشاب يتكلم في المجلس أيسنا من خيره.
وقال إبراهيم لأصحابه: جانبوا الناس، ولا تنقطعوا عن جمعة ولا جماعة.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن محمد بن رامين الإستراباذي، أنبأنا عبد الله بن محمد الحميدي الشيرازي، أنبأنا القاضي أحمد بن محمد بن خرزاد الأهوازي، حدثني علي بن محمد القصري، حدثني أحمد بن محمد الحلبي، سمعت سريا السقطي يقول: سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول: قال إبراهيم بن أدهم وقفت على راهب ف جبل لبنان، فأشرف علي فقلت له: عظني. فأنشأ يقول:
خذ عن الناس جانبا
كن بعدوك راهبا
إن دهرا أظلني
قد أراني العجائبا
قلب الناس كيف شئت
ت تجدهم عقاربا
قال بشر: فقلت لإبراهيم: هذه موعظة الراهب لك، فعظني أنت. فأنشأ يقول:
توحش من الإخوان لا تبغ مؤنسا
ولا تتخذ خلا ولا تبغ صاحبا
وكن سامري الفعل من نسل آدم
وكن أوحديا ما قدرت مجانبا
فقد فسد الإخوان والحب والإخا
فلست ترى إلا مذوقا وكاذبا
فقلت ولولا أن يقال مدهدة
وتنكر حالاتي لقد صرت راهبا
قال سري: فقلت لبشر: هذه موعظة إبراهيم لك، فعظني أنت. فقال: عليك بلزوم بيتك. فقلت: بلغني عن الحسن أنه قال: لولا الليل وملاقاة الإخوان ما كنت أبالي متى مت. فأنشأ يقول:
يا من يسر برؤية الإخوان
مهلا أمنت مكائد الشيطان
خلت القلوب من المعاد وذكره
وتشاغلوا بالحرص والخسران
صارت مجالس من ترى وحديثهم
في هتك مستور وخلق قران
قال الحلبي: فقلت لسري: هذه موعظة بشر لك، فعطني أنت. فقال: ما عليك بالإخمال. فقلت: إني أحب ذاك فأنشأ يقول:
يا من يريد بزعمه إخمالا
إن كان حقا فاستعد خصالا
ترك المجالس والتذاكر يا أخي
واجعل خروجك للصلاة خيالا
بل كن بها حيا كأنك ميت
لا يرتجي منه القريب وصالا
¥