تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن عثيمين: ((فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائماً، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، التي أوصى بها النبي e ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)) ([9]).

شرح الحديث إجمالاً:

قوله: (كنت خلف النبي e) أي راكباً معه، ورديفه.

قوله: (فقال: يا غلام…) قال له: (يا غلام)؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيراً، فإن الرسول e توفي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة ([10]).

قوله: (إني أعلمك كلمات) ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقع في نفسه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها ([11]).

قوله e : ( احفظ الله) أي احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه.

وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله.

وأعظم ما يجب حفظه التوحيد، وسلامة العقيدة، فهي الأصل والأساس لبقية أركان الإيمان والإسلام، التي يجب حفظها، بالإيمان بها قولاً وعملاً واعتقاداً، إخلاصاً لله تعالى، واتباعاً لما جاء به رسول الله e.

قال ابن دقيق العيد (ت 702هـ) في معنى (احفظ الله): ((ومعناه كن مطيعاً لربك، مؤتمراً بأوامره، منتهياً عن نواهيه)) ([12]).

وكذلك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوّم به عباداته ومعاملاته، ويدعو به إلى الله e.

وقوله: (يحفظك) يعني أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه حفظه الله، في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الآخرة من أنواع العقوبات، جزاء وفاقاً.

فكلما حفظ الإنسان دين الله حفظه الله.

وحفظ الله لعبده الحافظ لدينه، يكون في أمرين:

الأول: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرّمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفّاه على الإيمان.

هذا هو الأمر الأول، وهو أعظمهما وأشرفهما، وهو أن يحفظ الله عبده من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى، وكلما ضل ازداد ضلالاً.

الثاني: حفظ الله للعبد في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ([13]).

إذن من حفظ حدود الله حفظه الله في دينه، وفي بدنه وولده وأهله وماله.

قوله e: ( احفظ الله تجده تجاهك) أي احفظ الله أيضاً، بحفظ حدوده وحقوقه، وشريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه.

(تجده تجاهك)، وفي رواية: (أمامك)، ومعناهما واحد، أي من حفظ حدود الله وجد الله تجاهه وأمامه، في كل أحواله حيث توجه، يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده، كما قال تعالى:] إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [([14]).

نعم من حفظ الله وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، ولا سيما إذا حفظ الله بالاستعانة به؛ فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، فلن يناله سوء. ([15])

يقول ابن دقيق العيد في شرح هذه العبارة: ((أي اعمل له بالطاعة، ولا يراك في مخالفته؛ فإنك تجده تجاهك في الشدائد)) ([16]).

قوله e: ( إذا سألت فاسأل الله) سؤال الله تعالى هو دعاؤه والرغبة إليه، فدل هذا التوجيه النبوي الكريم على أن يسأل الله e، ولا يسأل غيره، فسؤال الله e دون خلقه هو المتعين؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضرر، وجلب المنافع، ودفع المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده.

والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت ([17]).

قوله e : ( وإذا استعنت فاستعن بالله) دل هذا الحديث على أن يستعان بالله دون غيره، وأن لا يعتمد على مخلوق، فالاستعانة هي طلب العون، ولا يطلب العون من أي إنسان ((إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسبباً، لا ركناً تعتمد عليه …)) ([18]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير