تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول السعدي (ت 1376هـ) في حديثه عن قصة يوسف u : (( فصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هماً تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة، (قال معاذ الله) أي أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح؛ لأنه مما يسخط الله، ويبعد عنه …، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة سيده، الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم، الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما من الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء؛ لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله، واختارهم واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم المكاره، ما كانوا به من خيار خلقه)) ([74]).

وقال تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [([75]).

روي عن ابن عباس أنه قال: ((يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان)) ([76]).

فمن حافظ على سلامة توحيده من الشبهات والانحرافات، وقام بحقوق الله عليه؛ فإن الله يحفظه بحفظ جميع مصالحه في الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يتولى الله حفظه في أموره كلها فليراعِ حقوق الله عليه، وأعظمها حق توحيده، وإفراده بالعبادة، والعمل بشريعته، اتباعاً لرسوله e، وقد أخبر الله تعالى بأنه ولي المؤمنين وكافيهم وحسبهم، قال تعالى:] اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُر [([77])، وقال تعالى:] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ [([78])، وقال سبحانه:] وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه [([79])، وقال:] أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [([80]).

فالحافظ لدينه يحفظه الله في دينه ودنياه، ويحييه حياة طيبة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:] لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ [([81]) روى الطبري (ت 310هـ) عن ابن عباس قوله بأن المعقبات ((هم ملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه)) ([82]).

وروى الطبري أيضاً، عن مجاهد (ت 104هـ) قوله: ((ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك، إلا شيئاً يأذن الله فيه فيصيبه)) ([83]).

وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: لم يكن النبي e يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) ([84] (.

ويقول الله U: ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [([85])، فهذه الآية ((وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله e، من ذكر أو أنثى، من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، أن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه الله بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت)) ([86])، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه، ويرزقه العافية والرزق الحلال ([87]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير