تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمسلم في هذه الحياة معرض لفتن كثيرة، ومعارك متنوعة، وابتلاءات في الأموال والأنفس، وأذى من المشركين والمخالفين، وأعظم أسباب الانتصار على كل هذا العقيدة السليمة، والعمل الصالح، والصبر والاحتساب، قال تعالى:] لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور [([332]).

وإذا عظمت المحنة كان الصبر للمؤمن الصالح ((سبباً لعلو الدرجة، وعظيم الأجر، كما سئل النبي e أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة) ([333])، وحينئذ يحتاج من الصبر إلى ما لا يحتاج إليه غيره، وذلك هو سبب الإمامة في الدين كما قال تعالى:] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [([334])، فلابد من الصبر على فعل الحسن المأمور، وترك السيئ المحظور، ويدخل في ذلك الصبر على الأذى، وعلى ما يُقال، والصبر على ما يصيبه من المكاره، والصبر عن البطر عند النعم، وغير ذلك من أنواع الصبر، ولا يمكن العبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن له، ويتنعم به، وهو اليقين، .. ؛ فالحاجة إلى السماحة والصبر عامة لجميع بني آدم، لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا بهما)) ([335]). فالذي يستقيم على شرع الله ويحفظ حدوده، ويصبر على العبادة، وعلى ما يصيبه من الابتلاءات، ويرضى بقضاء الله وقدره، يتولاه الله، ويوصل إليه مصالحه، وييسر له منافعه الدينية والدنيوية، وينصره على عدوه، ويدفع عنه كيد الفجار وتكالب الأشرار، قال تعالى:] فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [([336])، ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عزّ له، ولا قائمة تقوم له ([337]).

فالصبر أمر واجب لا بد منه؛ فإن الله تعالى أمر بالصبر ووعد عليه الأجر العظيم، قال تعالى:] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب [([338])، وقال سبحانه:] وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ [([339])، وقال:] وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [([340])، وقال:] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [([341]).

ويقول الرسول e : ( من يتصبّر يصبّره الله، وما أعطى أحد عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر) ([342]).

ولهذا قال عمر بن الخطاب: ((وجدنا خير عيشنا الصبر)) ([343]).

كما يجب أن يكون الصبر عند الصدمة الأولى للمصيبة أو الحادثة، قال e : ( إنما الصبر عند الصدقة الأولى) ([344]).

قال ابن حجر: ((والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل، الذي يترتب عليه الأجر)) ([345])، ثم نقل قول الخطابي (ت388هـ): ((المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو)) ([346]).

فالصبر واجب في كل الأحوال، فيجب الصبر على العبادة وإقامة شرع الله تعالى، ويجب الصبر وحبس النفس عن المحرمات والمنهيات، ويجب الصبر عند وقوع المصائب والابتلاءات، وفي ميادين القتال ومنازلة الكفار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير