قال الله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} [هود:116].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كُلّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وانْتِحالَ المُبْطِلينَ، وتَأْويلَ الجَاهِلينَ " ().
وقال منصور بن عمار في وصف أهل الحديث:
" ووكل بالآثار المفسرة للقرآن والسنن القوية الأركان عصابة منتخبة، وفقهم لطلابها وكتابتها، وقواهم على رعايتها وحراستها، وحبب إليهم قراءتها ودراستها، وهون عليهم الدأب والكلال والحل والترحال، وبذل الأنفس والأموال، وركوب المخاوف والأهوال ... حتى قال – رحمه الله تعالى – في كلام له طويل: ... لابسين ثوب الخضوع للجبار جل جلاله، مسالمين ومسلمين، يمشون على الأرض هونًا، لا يؤذون جارًا، ولا يقترفون عارًا، حتى إذا زاغ زائغ، أو مرق في الدين مارق؛ خرجوا خروج الأسد من الآجام، يناضلون عن معالم الإسلام ... ".
نعم؛ أيها الأخوة!
في زمن غربة الإسلام وأهله، يعاني الناس الأمرين، فمن جهل محيط بالدين، إلى علماء سوء يلبسون على الناس دينهم، إلى منافق عليم اللسان، يجادل بالقرآن، إلى جهلة عمي القلوب يتخذون الدين وسيلة لنيل مآرب خسيسة.
فلك الله يا دين محمد صلى الله عليه وسلم، ولكم الله يا أهل السنة في زمن الغربة الكالحة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ؛يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " ().
وهذه هي المصيبة صحافي جاهل، يسود صفحات الجرائد في هدم الدين، وهذه المطابع تقذف أرحامها كل يوم بآلاف الكتب المسودة باسم الدين، وتعاني الأمة الويلات من رويبضة يخرج علينا كل يوم، والمصيبة الأكبر: أن يجد الباطل دوما آذانًا صاغيًة، وقلوبًا واعيةً، ولِمَ لا؟ فهؤلاء أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
وفي هذه الأيام الأخيرة، ظهر كتاب لأحد هؤلاء، هو ثاني إفرازات عقله وعلمه المحدودين، بعد كتاب " عمر أمة الإسلام "، ذنبه الأول، وجاء الثاني " هرمجدون ".
ويعلم الله أنني جلست مع الرجل بعد صدور كتابه الأول، وكنت بصحبة الشيخ أبي ذر القلموني – حفظه الله ورعاه، وأمتع المسلمين بطول حياته – والشيخ أحمد القواشتي، في ليلة طويلة، باءت كل جهودنا فيها بالفشل، ويعلم الله أنني كنت احتراما للشيخين في منتهى الهدوء وغاية الأدب، وإلا؛ فالرجل مستفز، والمصيبة الأدهى أنه معجب بنفسه، مغرور بكتاباته، يظن أنه فتح فتحا، وأتى بما لم يستطعه الأوائل.
وفي مجلس كان يجمع كثيرا من الدعاة، أظن كل الدعاة المعروفين في مصر، في عقيقة ولدي عبد الرحمن – هداه مولاه وأباه – أجمع الدعاة على استنكار كتاب " عمر أمة الإسلام " في وقته، وكتبنا بذلك مكتوبا وقع عليه معظمهم، ولكن طواه النسيان، وغابت عني الآن تلك الورقة، وكان مفادها: " أنه من الإجرام في حق أمة الإسلام، التلبيس عليها في دينها، بتلك الأخبار، التي لا تعتمد على السنة الصحيحة، بفهم السلف الصالح، وأن من الإجرام في حق الأمة دعوتها إلى التخاذل والاستسلام؛ لأن عمر أمة الإسلام انتهى، وما بقيت إلا أحداث آخر الزمان ".
هذا ما أذكره الآن لبعد العهد بهذا الكتاب، ثم فوجئت في الفترة الأخيرة بكتابه الجديد، أسوأ من الأول، وأخطر، ولما وقع في يدي توقعت أن فيه طامات، قبل أن أقرأه، وقد كان فقرأته كله في ليلة، وأنا أضرب كفا بكف:
مخطوطة في دار الكتبخانة .. الكتبخانة .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. كلدة بن زيد بن بركة .. من كلدة بن زيد؟ إنا لله وإنا إليه راجعون .. أسمى المسالك ... ؟ سجع كسجع الكهان؟ .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. لا يعرف المخطوطة إلا محمد عيسى داود؟!! ..
¥