أن من الأخوة من قال: بقياس إطلاق اسم الإسلام على المسلم مع عدم العلم بباطنه فكذلك الشهيد .. وهو قياس ليس في محله .. وأولى به أن يقيس اسم الإيمان على المسلم والآية تقول: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات -14] ومسألة الاستثناء في الإيمان مشهورة عن السلف.
ولا يقاس هذا أيضا على الوصف للمعين بالشهادة فيقال مؤدى الإيمان والإسلام الجنة، ومؤدى الشهادة الجنة أيضا، فهما سواء ..
لأن للشهادة فضائل وخصوصيات معلومة في الشرع ولا تخفي على طلاب العلم كما هو معلوم.
فإن قال قائل: لماذا تمنعون من تسميته شهيدا، وتعطونه حكم الشهيد فيدفن بثيابه ولا يغسل؟
فالجواب: أن الشريعة فيها من يتسمى بالاسم ولا يأخذ حكمه، ومن يأخذ حكم الشيء ولا يتسمى باسمه .. وهذا كثير ..
ثم المسألة مركبة على الإتباع دون الاعتراض .. فقد جاء النص على دفن المقتول في المعركة بثيابه (زملوهم بدمائهم، وفي رواية: في ثيابهم) وكذلك المحرم (يكفن في ثوبيه) كما لم يثبت غسل شهيد المعركة، وثبت لغيره، وجاء النهي في عدم الجزم بمآله وأن حكمه إلى الله .. فمرجع الأمر على إتباع الوارد شرعا، والله أعلم.
5 - الأدلة على منع إطلاق لفظ الشهيد على المعين بدون نص
وأنا أتحير ممن يتكلم في هذا الموضوع، ويتجاهل أدلة كثيرة صريحة صحيحة في هذا الموضوع، ولكثرتها سنعرضها بصورة منظمة ما أمكن ..
الدليل الأول:
1 - حديث أم العلاء (وهي من المبايعات)
في البخاري قالت أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون: رحمة الله عليك يا أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وما يدريك أن الله أكرمه)؟ فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال (أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي). قالت فوالله لا أزكي أحدا بعد أبدا.
والشاهد منه: أنه أنكر قولها (لقد أكرمك الله) والتي يلزم منها الشهادة له بالجنة، وعليه فالجزم بالشهادة أشد من هذه .. والله أعلم.
2 - حديث كعب بن عجرة
في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عندما مرض وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أبشر يا كعب، فقالت: أمه: هنيئًا لك الجنة يا كعب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه المتألية على الله؟ قال: هي أمي يا رسول الله، قال: ما يدريك يا أم كعب؟ لعل كعبًا قال ما لا ينفعه، أو منع ما لا يغنيه ".
أخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 7157) ومن طريقه ابن عساكر (50/ 146) والخطيب في تاريخه (4/ 272) من طريق ابن أبي الدنيا، وذكر المنذري عن شيخه أن إسناده جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 565) إسناده جيد. وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من حديث كعب بن عجرة بإسناد جيد إلا أن الظاهر انقطاعه بين الصحابي وبين الراوي عنه. اهـ
قلت: في رواية الطبراني حدث به ضمام بن إسماعيل وهو صدوق عن يزيد بن أبي حبيب وموسى بن وردان كليهما عن كعب وابن وردان روى عن كعب بن عجرة فلا انقطاع. وفيه أحمد بن عيسى المصري وهو صدوق ولذلك حسنه الألباني في صحيح الترغيب، وصححه في الصحيحة رقم: 3103.
وهو شاهد قوي لما نحن بصدد بيانه.
3 - حديث صاحب الشملة
أورد مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابه النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة .. الحديث
وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم:
فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خبير لم تصبها المقاسم .. الحديث
فقال المجوزون:
في الحديث الأول قد أقرهم على القول بالشهادة لمن هم قبل صاحب البردة؟ وفي الحديثين نهي عن القول لعلة وهي الغلول ولم يطلع عليها غيره صلى الله عليه وسلم.
¥