فأما رواية هزيل فرواها الحاكم في المستدرك (2/ 121) بسنده إلى آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل قال: خرج ناس فقتلوا فقالوا: فلان استشهد فقال عبد الله: إن الرجل ليقاتل للدنيا و يقاتل ليعرف و إن الرجل ليموت على فراشه و هو شهيد .. الخ، وقال الحاكم: على شرط الشيخين ..
قلت: سنده صحيح رجاله ثقات غير شيخ الحاكم عبد الرحمن بن الحسن القاضي الهمداني ترجمه الخطيب في تاريخه (12/ 292) والذهبي في تاريخ الإسلام (26/ 75) وبينا أنه ادعى الرواية عن ابراهيم بن الحسين بن ديزيل وهو ثقة فاتهم بذلك.
ورواية ابن معقل رواها سعيد بن منصور في سننه (6/ 88) باب ما جاء في الرياء في الجهاد .. قال: نا أبو الأحوص، قال: نا أشعث بن سليم، عن عبد الله بن معقل، قال: كنا قعودا عند عبد الله بن مسعود، فقال رجل من القوم: قتل فلان شهيدا، فقال عبد الله: وما يدريك أنه قتل شهيدا؟ إن الرجل يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، ويقاتل رئاء، إنما الشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
وسنده صحيح ورواته ثقات أثبات، وبه تصحح رواية أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود. والله أعلم.
ملحوظة: في الروايات عنه اختلاف يسير في الألفاظ مع اتحاد المعنى وهو النهي الصريح في عدم الجزم بالشهادة للمعين.
الدليل الرابع: أن هذا القول هو بمثابة الشهادة له بالجنة
والشهادة بالشيء لا تكون إلا عن العلم به، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، وعلى هذا أحاديث ..
1 - قال النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وأحمد: النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة. الحديث وسنده صحيح.
والشاهد منه: هو أمر معلوم شرعا وعرفا أن الشهيد في الجنة.
2 - ومنها عند البخاري في الصحيح: باب لا يقال فلان شهيد ..
وأورد حديث أبي هريرة: " ما من ملكوم يكلم في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله .. "
والحديث جاء في صحيحه متصلا في كتاب الجهاد قال: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به مرفوعا ..
والشاهد منه قوله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله.
3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضا:
" مثل المجاهد في سيبل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله ".
رواه البخاري من حديث أبى هريرة.
4 - وقول النبي صلى الله عليه وسلَّم: " إنَّ الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار". متفق عليه.
وشاهده فيما نحن في صدد بيانه واضح .. وهي قصة قزمان ..
لا سيما إذا علم سبب ورود هذا الحديث، وقد جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار .. الحديث
ولما علم الصحابة أنه جرح واستعجل الموت فقتل نفسه بسيفه قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام أعلاه وهو: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
فقد شهد الصحابة لهذا الرجل وهم من هم، واستلزمت شهادتهم له الشهادة والجنة، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر على غير ذلك ..
وأن الحكم بالشهادة ما هو إلى تألي على الله تعالى وحكم بغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، فإننا لو شهدنا لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه جمهور أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص. وتفصيله في الدليل الخامس ..
5 - وأختم هذه الفقرة بهذا الحديث الصحيح الكبير:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
¥