تكفل الله عز وجل [أو تضمن الله، أو انتدب الله] لمن خرج مجاهدا في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد، والإيمان بالله ورسوله، وتصديقا به [وتصديق كلماته]، إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى بيته الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة.
حديث صحيح رواه البخاري 2955 في كتاب الخمس ومسلم في الإمارة 1876 وهذا لفظ سعيد بن منصور في سننه (5/ 309).
وهو غني عن الشرح والبيان ..
الدليل الخامس: أقوال أهل السنة في الحكم للمعين بالجنة
ويجب أن نفصل بين شيئين اثنين .. يخلط بينهما كثيرا .. وهو الشهادة للمعين بالجنة والشهادة للمعين بأنه شهيد .. وهما عند الكثير على الترادف في المعنى ..
والصحيح إن شاء الله أن يفرق بينهما فيقال:
الشهادة للمعين بأنه شهيد تستلزم الشهادة له بالجنة ولا عكس .. فليس كل من مات على الإيمان والصلاح يكون شهيدا!! وهذا واضح جدا .. ويوضحه:
خصال الشهيد
فقد صح في الحديث: إن للشهيد عند الله خصالا، يغفر له في أول دفقة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه.
فهذه المناقب لا ينالها أي مسلم مات على الإيمان والصلاح .. فبان المراد والحمد لله.
ولذلك كان رأي العلماء في القول على المعين الذي عرف صلاحه وتقواه بأنه من أهل الجنة في اتجاهين بين القبول والمنع ..
ومذهب المنع أقوى وأكثر إذ إنه رأي الجمهور .. فيحسن ينا عرض المذهبين:
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (2/ 415):
وللسلف في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء، وهذا ينقل عن محمد بن الحنفية والأوزاعي.
والثاني: أن يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه النص، وهذا قول كثير من العلماء وأهل الحديث.
والثالث: أن يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون .. واستدل بحديث الصحيحين أنتم شهداء الله في الأرض وسيأتي التحقيق فيه، وحديث: يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار! قالوا بم ذاك يا رسول الله؟ قال بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض. رواه أحمد وابن ماجة والحاكم والبيهقي وحسنه الألباني.
فتمخض من هذه الأقوال الثلاثة مذهبين:
المذهب الأول:
وهو مذهب جمهور أهل السنة والجماعة: عدم الشهود لمعين بجنة أو نار، إلا لمن شهد له الله في كتابه، أو شهد له رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح من سنته.
قال الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية (ص 18):
نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بجنة، ونستغفر لسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.
وقال أيضاً في (ص21): ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، ونصلي على من مات منهم، ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً، ولا نشهد عليهم بكفر ولا شرك ولا نفاق ما لم يظهر منهم من ذلك شيء، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (2/ 415) تحقيق شاكر:
وإن كنا نقول: إنه لا بد أن يُدخل النار من أهل الكبائر من يشاء إدخاله النار، ثم لا يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولكنا نقف في الشخص المعين، فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم؛ لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء. اهـ
ومن التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية:
الذي عليه أهل السنة والجماعة: أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر عنه بذلك، ولكنهم يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، وبهذا تعلم ما عليه كثير من الناس إذا ذكروا عالماً أو أميراً أو ملكاً أو غيرهم: قالوا: المغفور له أو ساكن الجنان، وأنكى من ذلك قولهم: نُقل إلى الرفيق الأعلى، ولا شك أن هذا قول على الله بلا علم، كما قال تعالى: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون}. اهـ
وقال الإمام ابن قدامة في لمعة الاعتقاد:
¥