فيقال: الحديث الأول يفيد أن شهادة المؤمنون لبعضهم بالخير والصلاح توجب نفعه وصلاحه في الآخرة ولا يجزم بها على العموم .. فإحسان الظن بالمسلمين هو الأصل ولكن هذا لا يبنى عليه يقين بمآله ..
وهنا فائدة مهمة على قوله وجبت وجبت: وهي على الصحيح من التحقيق والجزم ..
فقيل أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولا يجزم بها لغيره لأنها غيب، ولعل نبينا اطلع على ذلك بطريق الوحي .. واختار هذا القول ابن التين.
ويرده قول عمر لها أيضا لجنازة مرت عليه، كما في الصحيح.
وفي معناها أيضا قال الإمام الطحاوي في بيان مشكل الآثار (8/ 108):
وجه ذلك عندنا والله أعلم أن الشهادة بالخير لمن شهد له به ستر من الله عز وجل عليه في الدنيا ومن ستره الله عز وجل في الدنيا لم يرفع عنه ستره في الآخرة .. اهـ
ومما قيل في معناها أيضا: أن انطلاق الألسنة بالثناء الحسن علامة على وجوب الجنة للمثنى عليه به، وليست جزما على الغيب .. والله أعلم.
أما الحديث الثاني: فهو أصرح في بيان المقصود لقوله: (يوشك) وقوله: (بالثناء الحسن والثناء السيئ) يعني ما هو إلا ثناء على الظاهر لا يجزم له على الحقيقة بالجنة أو النار ..
فيخلص من هذا أن الكلمة على الرجاء والتمني وليست على التحقيق والتألي ..
ومن الخلاف: هل هذا خاص بزمن الصحابة أم أنه عاما للمؤمنين في كل زمان؟
الصحيح المختار: أنه عاما ولكن في غير زمن الصحابة يحتاج إلى الإجماع ..
كما قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك من أجمعت الأمة على الثناء عليه فإننا نشهد له بالجنة فمثلا الإمام أحمد رحمه الله الشافعي أبو حنيفة مالك سفيان الثوري سفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة أجمعت الأمة على الثناء عليهم فنشهد لهم بأنهم من أهل الجنة. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجمع الناس بالثناء عليه إلا من شذ ومن شذ، شذ في النار يشهد له بالجنة على هذا الرأي. اهـ والله أعلم.
أما ما جاء في شرح العقيدة الطحاوية للشيخ خالد بن عبد الله المصلح قال:
فيرى شيخ الإسلام رحمه الله أن شهادة الأمة لشخص بأنه من أهل الإحسان، وأنه من أهل الجنة؛ يسوغ الشهادة له بالجنة كالأئمة الأربعة وغيرهم ممن لهم لسان صدق في الأمة، وقدموا سبقاً فيها، لكن هذا خلاف ما عليه الأكثرون من أنه لا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان له لسان صدق في الأمة فإنه يكفي أن نقول: يرجى له كغيره؛ لأن شهادتنا لمعين بجنة أو بنار لن تقدم ولن تؤخر ما عند الله جل وعلا، فإن كان من أهل الجنة فلن تزيده شهادتنا فضلاً، وإن كان من أهل النار فلن تزيده عذاباً وسخطاً. اهـ
فرده على شيخ الإسلام غير صحيح لأنه ابن تيمية قيده بالإجماع والذي في معناه شهادة الأمة وهو قيد قوي وله مكانته في التشريع ..
وعليه فرأي الجمهور هو الصواب، وهو أنه لا يشهد لأحد بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلا إذا ورد نص أو إجماع ..
وأعني بالإجماع هنا ما يراد به حكم الجماعة المسلمة في وقت ما على المعين بأنه من أهل الجنة، فهو من أهل الجنة إن شاء الله تعالى حسب الظاهر للمسلمين وقتئذ ولا يقطع به جزما لأنه ضرب من الغيب، لذلك نصوب من يقول: هو من أهل الجنة إن شاء الله تعالى ..
وعلى هذا: لا يصح الاستثناء للمعين بالشهادة فنقول هو شهيد إن شاء الله، للنهي الوارد فيما ذكرنا أعلاه، وإنما نقول نرجو له الشهادة أو نقول كما علمنا عمر: من فعل كذا فهو شهيد .. والله أعلى وأعلم.
اعتقاد ابن عيينة وأحمد
روى الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 156) عن الإمام سفيان بن عيينة في اعتقاده قوله: السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة: إثبات القدر وتقديم أبي بكر وعمر والحوض والشفاعة والميزان والصراط والإيمان قول وعمل والقرآن كلام الله وعذاب القبر والبعث يوما لقيامة ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم.
ونقل (1/ 161) في اعتقاد الإمام أحمد فيمن خرج عليه اللصوص والخوارج قال:
وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث. ونقل مثلها عن ابن المديني ..
الخلاصة والختام:
تبين من هذا العرض للموضوع ..
¥