يفيدنونا من علمهم علم ما مضى ورأياً وتأديباً ومجداً وسؤددا
فلا غيبة نخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
من المقصود؟ الكتب.
قدر الكتب ومنزلتها:
والكتاب -أيها الإخوة- جار بار، ورفيق مطاوع، لا يعصيك أبداً، ومعلم خاضع، هل رأيت معلماً يخضع للتلميذ؟ كذلك الكتاب يخضع للقارئ، وصاحب كفء، وشجرة معمرة، دائماً مثمرة، يجمع الحكم الحسنة والعقول الناضجة، وأخبار القرون الماضية، والبلاد المترامية، يجلو العقل، ويشحذ الذهن ويوسع الأفق ويقوي العزيمة، ويؤنس في الوحشة، يفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ.
نعم الأنيس إذا خلوت كتاب تلهو به إذا خانك الأصحاب
لا مفشياً سراً إذا استودعته وتنال منه حكمة وصواب
هذه الكتب لا تعترف بالفواصل الزمانية ولا المكانية ولا الحدود الجغرافية، فيستطيع القارئ أن يعيش في كل العصور، وفي الممالك والأقطار وأن يصاحب العظماء، وأعمالهم وإن استغرقت أعواماً، و تأمل حال المسلم عندما يقرأ قصص الأنبياء في القرآن الكريم، أين عاشوا؟ في بلاد متباعدة، متى عاشوا؟ في أزمنة متطاولة قديمة جداً، ومع ذلك يقرأ قصة موسى وفرعون كأنه يعيش معهم، وكذا إبراهيم، وكذا هود، وصالح وآدم وغيرهم من الأنبياء والصالحين في القرآن والسنة نقرأ أخبارهم كأننا نعيش معهم، كيف أتتنا إلا بالكتاب، فشأنه عظيم جداً، وبعض الناس يجمع الكتب ولكن لا يقرأ فيها ولا يحصل منها شيئاً، قال الشاعر في شأن مثل هؤلاء:
عليك بالحفظ دون الجمع في كتب فإن للكتب آفات تفرقها
الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يخرقها واللص يسرقها
إذا لم تكن حافظاً واعياً فجمعك للكتب لا ينفع
تحضر بالجهل في مجلس وعلمك في البيت مستودع
ولذلك أيها الإخوة: النصيحة إذا اشتريت كتاباً فلا تدخله مكتبتك، إلا بعد أن تمر عليه جرداً أو على الأقل قراءة لمقدمته أو فهرسته ومواضع منه، حتى إذا احتجت في المستقبل إلى هذا العنوان أو هذا الموضوع، تعرف أنه موجود في الكتاب الذي اشتريته، أما إذا جعلته في المكتبة مباشرة، فربما يمر عليك، زمان وقد يفوت العمر دون النظر فيه، أليس هذا قد حصل؟
أمور تجعل القراءة واعية:
موضوعنا في هذه الليلة أيها الإخوة بعد هذه المقدمة عن: كيف تقرأ كتاباً؟ كيف نستفيد من القراءة؟ ما هي الطريقة الصحيحة للقراءة؟ ما هي العوامل التي تسبب العداوة بين الناس والكتاب وكيف نزيلها؟ ما هي أسباب الفهم الخطأ أثناء القراءة؟ وكيف نقضي عليها؟ ما هي أنواع القراءة؟ إلى مسائل أخرى ستستمعون إليها إن شاء الله في هذا الدرس. عند تعرضنا لموضوع القراءة، تبرز ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: لماذا نقرأ؟ وما هي أهمية القراءة؟ السؤال الثاني: ماذا نقرأ؟ وما هي الكتب التي نقرؤها؟ السؤال الثالث: كيف نقرأ؟ والكلام عن لماذا نقرأ، وماذا نقرأ قد يكون أكثر أهمية من كيفية القراءة، ولعلنا نتعرض لهذين السؤالين في درس قريب إن شاء الله. لا بد أن تكون قراءتنا -أيها الإخوة- قراءة واعية، المنهج الجاهلي يقول: القراءة للقراءة، الفن للفن، أي أنهم يجعلون القراءة غاية وليست وسيلة، ولذلك فهم يقرءون ما هب ودب، دون تمحيص ولا تمييز، أما المسلم فإن القراءة عنده وسيلة لتحقيق الهدف وهو أشياء متعددة، وعلى رأسها طلب العلم الذي يعرف به المسلم كيف يعبد ربه، هذا الهدف، الوسيلة: القراءة، وهذا المنهج الجاهلي الذي أشرنا إليه وهو: القراءة من أجل القراءة مهما كانت المهم أن يقرأ، ويعتبر الشعب مثقفاً إذا كان فيه أعداد كبيرة من القراء بغض النظر عما يقرءون، هذا المفهوم الجاهلي، قد نتج عنه في مجتمعات المسلمين تكوين فئة من القراء بما يصلح أن نطلق على هذه الفئة: القارئ الإمعة، الذي يكون بوقاً مضخماً لهجمات أعداء الإسلام، لأنه لا يعرف ماذا يقرأ، فيقرأ الضار، ويقرأ أشياء سطرتها أيدي أعداء الإسلام وينشرها بين الناس، دون وعي ولا إدراك.
البدء بالمرحلة التأسيسية الأولية مع سلامة المعتقد:
¥