ولا يصح من هذه الأحاديث شيء ولا ترتقي إلى درجة الحسن لغيره.
فإن هذا الثواب الكبير لا يمكن قبوله بمثل هذه الأسانيد الضعيفة.
ولعل هذا من أسرار حكم الأئمة على هذا الخبر بالضعف تارة وبالبطلان تارة أخرى والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
13/ 9 / 1421 هـ
صحة الحديث: أقامها الله وأدامها
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان
أنا أقرأ في كتب الفقهاء فأرى كثيراً منهم يستحب أن يُقال في لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها. ويذكرون في ذلك حديثاً وهو معروف لدى فضيلتكم فما صحته؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي السائل اعلم أن الاستحباب حكم شرعي، والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة فلا يمكن اثبات حكم بدون دليل محفوظ.
وقد اعتاد الفقهاء التساهل في ذلك فيثبتون الاستحباب بحديث ضعيف والكراهية بمثل ذلك وأشد.
وقد تفاقم الأمر في العصور المتأخرة فترى الأحاديث الضعيفة والمنكرة والأخبار الواهية في كتب العقائد والتفاسير وأحكام الحلال والحرام. وأعظمُ من ذلك الجزم بنسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطر عظيم وذنب كبير.
وقولكم [ويذكرون في ذلك حديثاً] هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود (528) من طريق محمد بن ثابت العبدي حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أقامها الله وأدامها)) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان.
وفي هذا الحديث ثلاثُ علل.
أولاها: محمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ليس بشيء.
الثانية: الإبهام فلم يسم العبدي شيخه في الإسناد
الثالثة: شهر بن حوشب مختلف فيه وقد قال ابن عون ((إن شهراً نزكوه. أي طعنوا فيه وقال النسائي ليس بالقوي.
وقال الترمذي عن البخاري. شهر حسن الحديث وقال الإمام أحمد. لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب.
وقال الدار قطني. يخرّج من حديثه ما روى عنه عبد الحميد بن بهرام.
والناظر في أحاديث شهر لا يشك أنه سيء الحفظ يضطرب في الأحاديث والله أعلم.
والحديث ضعفه النووي في المجموع (3/ 122) وابن حجر في التلخيص (1/ 211).
بيد أن النووي رحمه الله قال (لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء ... ).
وهذا غير صحيح وليس في المسألة اتفاق. فظاهر كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنّ أحاديث الفضائل لا تُروى إلا عمّن تُروى عنه أحاديث الأحكام.
وهذا ظاهر كلام ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين ورجحه الإمام بن حزم رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (1/ 250) ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليس صحيحة ولا حسنة لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال مالم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ورُوي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ولكن إذا عُلم تحريمه ورُوي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أن كذب ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الإئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة. ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه .... ).
والمنقول عن أهل العلم من الخلاف في هذه المسألة أكثر من ذلك.
ودعوى النووي رحمه الله من الاتفاق على العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل غير صحيحة والخلاف محفوظ.
¥