تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وغرضنا لا يتوقف على معرفة تفاصيل باطلهم، ولكن يكفينا أن نعرف المنكر معرفة تميز بينه وبين المباح والمعروف، والمستحب والواجب، حتى نتمكن بهذه المعرفة من اتقائه واجتنابه كما نعرف سائر المحرمات، إذ الفرض علينا تركها، ومن لم يعرف المنكر - جملة ولا تفصيلاً - لم يتمكن من قصد اجتنابه والمعرفة الجملية كافية، بخلاف الواجبات: فإن الغرض لما كان فعلها، والفعل لا يتأتى إلا مفصلاً - وجبت معرفتها على سبيل التفصيل.

وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم، لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلي ببعضها، وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله وقد بلغني أيضاً أنهم يخرجون في الخميس الذي قبل ذلك، أو يوم السبت أو غير ذلك، إلى القبور، يبخرونها، وكذلك ينحرون في هذه الأوقات وهم يعتقدون أن في البخور بركة ودفع أذى - وراء كونه طيباً - ويعدونه من القرابين مثل الذبائح، ويزفونه بنحاس، يضربونه كأنه ناقوس صغير، وبكلام مصنف، ويصلبون على أبواب بيوتهم، إلى غير ذلك من الأمور المنكرة، ولست أعلم جميع ما يفعلونه وإنما ذكرت ما رأيت كثيراً من المسلمين يفعلونه، وأصله مأخوذ عنهم، حتى أنه كان في مدة الخميس، تبقى الأسواق مملؤة من أصوات هذه النواقيس الصغار، وكلام الرقائين، من المنجمين وغيرهم، بكلام أكثره باطل، وفيه ما هو محرم أو كفر، وقد ألقي إلى جماهير العامة أو جمعهم إلا من شاء الله، وأعني بالعامة هنا كل من لا يعلم حقيقة الإسلام، فإن كثيراً ممن ينتسب إلى فقه أو دين قد شارك في ذلك - ألقي إليهم أن هذا البخور المرقي ينتفع ببركته، من العين والسحر والأدواء والهوام، ويصورون في أوراق صور الحيات والعقارب، ويلصقونها في بيوتهم زعماً أن تلك الصور، الملعون فاعلها، التي لا تدخل الملائكة بيتاً هي فيه، تمنع الهوام، وهو ضرب من طلاسم الصابئة، ثم كثير منهم - على ما بلغني - يصلب باب البيت، ويخرج خلق عظيم في الخميس المتقدم على هذا الخميس، يبخرون المقابر، ويسمون هذا المتأخر الخميس الكبير - وهو عند الله الخميس المهين الحقير هو وأهله ومن يعظمه، فإن كل ما عظم بالباطل من مكان أو زمان، أو حجر أو شجر، أو بنية يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة، وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار.

[ U][B] ومما يفعله الناس من المنكرات، أنهم يوظفون على الأكرة وظائف (1) أكثرها كرها، من الغنم والدجاج واللبن والبيض، فيجتمع فيها تحريمان: أكل مال المسلم، أو المعاهد بغير حق، وإقامة شعار النصارى، ويجعلونه ميقاتاً لإخراج الوكلاء على المزارع، ويطبخون فيه، ويصبغون فيه البيض، وينفقون فيه النفقات الواسعة، ويزينون أولادهم، إلى غير ذلك من الأمور التي يقشعر منها قلب المؤمن، الذي لم يمت قلبه، بل يعرف المعروف وينكر المنكر. [ U/][B/]

وخلق كثير منهم يضعون ثيابهم تحت السماء رجاء لبركة مرور مريم عليها، فهل يستريب من في قلبه أدنى حياة من الإيمان أن شريعة جاءت بما قدمنا بعضه من مخالفة اليهود والنصارى، لا يرضي من شرعها ببعض هذه القبائح؟.

ويفعلون ما هو أعظم من ذلك: يطلون أبواب بيوتهم ودوابهم بالخلوق، والمغرة وغيره ذلك، وذلك من أعظم المنكرات عند الله تعالى، فالله تعالى يكفينا شر المبتدعة، وبالله التوفيق.

وأصل ذلك كله: إنما هو اختصاص أعياد الكفار بأمر جديد، أو مشابهتهم في بعض أمورهم، يوضح ذلك: أن الأسبوع الذي يقع في آخر صومهم يعظمونه جداً ويسمون خميسه: الخميس الكبير، وجمعته الجمعة الكبيرة، ويجتهدون في التعبد فيه ما لا يجتهدون في غيره، بمنزلة العشر الأواخر من رمضان في دين الله ورسوله، والأحد الذي هو أول الأسبوع يصطنعون فيه عيداً يسمونه: الشعانين، هكذا نقل بعضهم عنهم، ونقل بعضهم عنهم: أن الشعانين هو أول أحد في صومهم، يخرجون فيه بورق الزيتون ونحوه ويزعمون أن ذلك مشابهة لما جرى للمسيح عليه السلام، حين دخل إلى بيت المقدس راكباً أتاناً مع جحشها، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فثار عليه غوغاء الناس، وكان اليهود قد وكلوا قوماً معهم عصي يضربونه بها، فأورقت تلك العصي وسجد أولئك للمسيح، فعيد الشعانين مشابهة لذلك الأمر، وهو الذي سمي في شروط عمر وكتب الفقه: ((أن لا يظهروه في دار الإسلام)) ويسمون هذا العيد، وكل مخرج يخرجونه إلى الصحراء: باعوثاً، فالباعوث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير