تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بمالم يسبق له نظير في سالف تاريخها، واجتالت بقضها وقضيضها وحدها وحديدها الأخضر واليابس، ووطئت المدن والقرى والبوادي، واختلط أعداء الله بالمدنين وغيرهم، ونشأ عن ذلك مصالح وتعاملات، وبدأت تبرز دعوات مشبوهة كثيرة تنادي بالإخاء، والمساواة، والاتحاد بين الأمم على اختلاف مشاربها وعقائدها وأهدافها، مع احتفاظ كل ذي دين بدينه، شريطة أن يكون ديناً كهنوتياً لا صلة له بالحياة، وللأسف الشديد انساق كثير من المسلمين وراء هذه الدعوات، وغاب عنهم المفهوم العقدي للولاء والبراء وربما تعاون بعضهم مع المحتل وسيروا له أموره تحت شعارات " إننا نتعامل لا نتعاون "، وهذه الدعوات تشبه دعوى المنافقين المذكورين في قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52)، وقد انكشف للقاصي والداني زيف هذه الشعارات وعوارها؛ فهم بين مخدوع وضال نسي أو تناسى أن الأصل هو الإتباع لا الابتداع، وأن الفلاح والصلاح والرشاد إنما بسلوك خطا من سلف فضلاً عن أنه دين وعقيدة وتشريع. مما تقدم علم ضرورة هذا المفهوم من مفاهيم لا إله إلا الله، فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين، ولا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله وتثبتها لله وحده، وليس للقلب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذه حقيقة لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله، ولاء وبراء ونفي وإثبات، ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين، وبراء من كل طاغوت عبد من دون الله، قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (البقرة:256)، ولما كان أصل الموالاة: الحب وأصل المعاداة البغض وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة، كالنصرة والأنس والمعاونة وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك؛ فإن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله. وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، قال تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28). وقد روى الإمام أحمد في مسنده [4/ 357] من حديث جرير بن عبد الله البجلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن: ((تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)) [مسند أحمد 4/ 286]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)) [أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وصححه العلامة الألباني]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) [رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني]. مما تقدم عرف أن الولاء والبراء عقيدة وأصل من أصول الدين، وأنه لا نصرة ولا موالاة مع الكفار البتة، وأنها ليست بالأمر الجزئي كما يصوره بعضهم ويتهاون فيه بأعذار شتى، فبعضهم حصل له تلبيس وقلب للمفاهيم، فتجد بعض الناس إذا تحدثت عن الحب في الله والبغض في الله قال: هذا يؤدي إلى نفرة الناس، ويؤدي إلى كراهية الناس لدين الله عز وجل. وهذا الفهم مصيبة، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله عن مكائد النفس الأمارة بالسوء: ((إن النفس الأمارة بالسوء تري صاحبها صورة الصدق وجهاد من خرج عن دينه وأمره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم، وأنه يعرض نفسه للبلاء ما لا يطيق، وأنه يصير غرضاً لسهام الطاعنين وأمثال ذلك من الشبه)) وقد نسي هؤلاء قول الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير