تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهم أعدى الناس لأصل الموالاة والخارجون عنه وذلك لكفرهم الباطن وامتلاء قلوبهم بالحقد والغل على المسلمين، ورغبتهم الدائمة في اندحارهم وكشر شوكتهم وهؤلاء هم الذين يستهزئون بالمسلمين ويلمزونهم ويسخرون منهم ويفجرون في خصومتهم معهم، ويخلفون وعدهم وينقضون عهدهم مع المسلمين، ويخونوهم ويغشوهم ويكذبون عليهم، ويصابون بالنكد والحسرة وضيق الصدر إذا أصاب المسلمين خير من الله وبركة، ويفرحون ويهللون إذا أصابهم شر ومكروه، والقرآن مليء بوصف أحوال المنافقين وبيان فضائحهم وخاصة سورة التوبة والمنافقون والحشر والأحزاب وأوائل البقرة ودراستنا لهذه السور يطلعنا على حقيقة النفاق الذي يستتر أصحابه بأعمال الإسلام الظاهرة ولكن قلوبهم تكون مع أعداء الله ويسعون جاهدين في تفتيت وحدة المسلمين وبعثرة جهودهم وإطلاع أعداء الله على عوراتهم، وهؤلاء المنافقون هم أخطر على المسلمين من أعدائهم الظاهرين وخاصة إذا كانوا أهل علم بالدين ولسان فصيح كما قال صلى الله عليه وسلم: [أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان] (رواه أحمد) فهؤلاء باستطاعتهم تحريف الكلم عن مواقعه وإيقاع الفتنة في صفوف المسلمين، وقد يكون في المسلمين من يسمع للمنافقين ويعجب بحديثهم كما قال تعالى: {وفيكم سماعون لهم} (التوبة:47) وذلك من حلاوة حديثهم وطلاوته كما قال تعالى أيضاً: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} (المنافقون:4).

وخطورة المنافقين أيضاً أنهم يغلفون أنفسهم بالكذب ويغلظون الإيمان ويلينون كالحرير والمرمر فلا يستطيع أحد أن يكشف أمرهم كما قال تعالى لرسوله {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} (التوبة:101) ومعنى مردوا أي كانوا ناعمين لينين وذلك من رقة حديثهم وحلاوة منطقهم وحلفهم وإشهاد الله على ما في قلوبهم حتى أن الرسول نفسه يخفى عليه أمرهم.

والمنافقون في المجتمع الإسلامي شر لا مفر منه وما على المؤمنين إلا الحذر منهم بما أرشدنا الله إليه من وعظهم في أنفسهم والغلظة عليهم عند معرفتهم، ومع هذا يجب على المسلمين أن يعاملوا بعضهم بما ظهر منهم من إسلام ولم نؤمر أن نشق قلوب الناس لنعرف أمنافقين هم أم لا، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر علامات تدل عليهم إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن من ظهرت فيه هذه العلامات كان منافقاً حقيقياً لأن بعضها قد يقع من المسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: [آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان] (البخاري ومسلم والترمذي).

وقال: [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر] (أخرجه البخاري والنسائي وأحمد).

ولما كانت هذه الأمور قد تظهر في بعض المسلمين لجهلهم فإن كل مسلم مطلوب منه الحذر على نفسه من النفاق وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه من النفاق وكذلك قال عمر بن الخطاب لحذيفة -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبره بالمنافقين- أما سماني رسول الله من المنافقين؟ فقال: لا، ولن أقول لأحد غيرك.

وهكذا يجب على كل واحد منا ألا يخلف وعداً أو يكذب على مسلم أن يخون أمانة أو يفجر في خصومة أخيه المسلم فتكون فيه شعبة من شعب النفاق أو يجمعها جميعاً فيطمس الله على قلبه فيزيغه عن الإيمان.

{اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا برحمتك يا أرحم الراحمين ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.

(2) الخوارج المارقون:

الصنف الثاني من أصناف الناس الخارجين على أصل "الولاء" هم الخوارج المارقون واسم الخوارج يطلق على كل من استحل دماء المسلمين أو أعراضهم أو أموالهم بالمعصية، وخرج على جماعتهم بالسيف، وأصل بلائهم من الجهل بأحكام الإسلام والاندفاع فيما يرونه منكراً إلى حدود العدوان على المسلم وظلمه، وهم الذين أفتوا بوجوب الخروج على الإمام العام بالمعصية، وقتاله بالسيف إذا رأوا منه ما يخالف رأيهم، ورأوا أيضاً وجوب البراءة من المسلم وهجرانه بالمعصية، وعدم جواز موالاة أحد من المسلمين بذلك، وهم في الغالب أهل حماسة وشدة في أخذ الدين ولكن هذه الحماسة والشدة لما كانت في غير موضعها انقلبت عليهم مروقاً وخروجاً عن الدين بالكلية وقد وصفهم الرسول صلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير