تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن مايجده الإنسان في نفسه من الولاء والحب لوالده وشقيقه أعظم مما يجده من الولاء لزوجته، ومع ذلك قطع الله موالاة الأب الكافر المسالم، والشقيق الكافر المسالم، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ) [التوبة:23]

ثم إن أهل العلم بينوا أنه مورد الأمرين مختلف أصلاً، فبغض الكافر المسالم وعداوته القلبية هي بغض وعداوة قلبية دينية، أما المودة التي تقع بين الزوج والزوجة فهذه مودة غريزية فطرية، ولايمتنع أن يجتمع الأمران في شخص واحد.

وأما قولهم (إنه يمتنع أن يجتمع في الشخص الواحد محبة وبغض، وبالتالي فما دام يجوز أن يحب زوجته الكتابية فلينتفِ البغض الديني عنها!) فهذا كلام ساقط، فإن الدواء يجتمع فيه الحب والبغض، فهو محبوب من وجه مبغوض من وجه، وهذا مثال يكرره أهل العلم كثيراً للتدليل على كيفية اجتماع الحب والبغض في شخص واحد.

ونظير ذلك في الشرعيات أن القتال في سبيل الله يجتمع فيه كره طبيعي لما فيه من إيذاء النفوس، وحب شرعي لما فيه من الثواب العظيم، كما قال تعالى في الكراهية الطبيعية للقتال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة:216] وقال تعالى في الحب الشرعي للقتال (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) [التوبة:92].

فانظر كيف أخبر أنهم يكرهون القتال طبعاً، ثم تفيض عيونهم من الحزن إذا فاتهم القتال لحبهم إياه شرعاًَ وديانة!

فمن أنكر الكره الطبيعي للقتال فقد كابر، ومن أنكر الحب الشرعي للقتال فما عرف معنى الإيمان بعد، فإن أثبت اجتماعهما في محل واحد فكيف ينكر اجتماعهما في شخص واحد وهو الزوجة الكافرة؟!

وكذلك فإن كل نفس تجد في داخلها كراهية السجن كراهية طبيعية، ولكن لما كان فيه مصلحة شرعية ليوسف –عليه السلام- صار أحب إليه شرعاً وإن كان يبغضه طبعاً، كما قال تعالى عن يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:33].

وكذلك فإن الإنسان إذا تصدق بأنفس ماله عنده اجتمع في هذا الفعل حب وبغض، فهو يحب ماله طبعاً، ويحب التخلي عنه والصدقة به شرعاً، كما قال تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92] وقال تعالى (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) [البقره: 177] وقال تعالى يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) [الإنسان:8].

وأما قول بعضهم (إن الحب والبغض عمل قلبي يهجم على القلب لاحيلة فيه، وبالتالي يعفى عن حب الكفار) فمؤدى كلام هؤلاء إخراج الحب والبغض عن أصل التكليف، وبالتالي إبطال كل أوامر الحب والبغض التي أمر الله بها ورسوله، فصار أمر الله بحبه، وحب رسوله، وحب الأنصار، وحب آل البيت، وغيرها من الشرائع، كلها لغو وعبث لاقيمة له لأن الحب والبغض شأن قلبي يهجم على الانسان ولاحيلة له فيه.

بمعنى أن قول النبي مثلاً في صحيح البخاري (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) لو جاء شخص وقال الحب عمل قلبي يهجم على المرء بلا حيلة، ولا أجد في نفسي حب النبي أكثر من والدي وولدي؟! فهل هذا مقبول؟!

ولذلك لما جاء عمر وأخبر النبي بما في نفسه لم يقبل النبي هذا الكلام، وصحح له هذا الفهم، حتى ارتقى إيمان عمر، كما في البخاري (يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر).

فعمر حين قال (لأنت الآن أحب إلي من نفسي) إنما جاهد نفسه حين عرف ثواب الحب، فالحب والبغض يحصل بالمجاهدة.

ولذلك فإنه لما أبغض بعض الناس بعض التشريعات بغضاً دينياً جعل الله ذلك منهم ردة وخروجاً عن الإسلام ولم يقل الحب والبغض شعور يهجم على القلب لاحيلة له فيه! كما قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:9]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير