(والتعليل بالثمنية تعليل بوصف مناسب فإن المقصود من الأثمان أن تكون معيارا للأموال التي يتوسل بها إلى معرفة مقادير الأموال ولا يقصد الإنتفاع فمتى بيع بعضها ببعض إلى أجل قصد بها التجارة التي تناقض مقصود الثمنية واشتراط الحول والتقابض فيها هو تكميل لمقصودها من التاوسل بها إلى تحصيل المطالب فإن ذلك إنما يحصل بقبضها لا بثبوتها في الذمة مع أنها ثمن طرفين فنهى الشارع أن يباع ثمن بثمن إلى أجل فإذا صارت الفلوس أثمانا صار فيها المعنى فلا يباع ثمن بثمن إلى أجل)
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين (ج 2 ص 132)
(وأما الدراهم والدنانير فقالت طائفة العلة فيها كونهما موزونين وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة وطائفة قالت العلة فيها الثمنية وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى وهذا هو الصحيح بل الصواب.)
ثم قال (وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة ولا يقوم هو بغيره إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض فتفسد معاملات الناس ويقع الخلف ويشتد الضرر كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم ولو جعلت ثمنا واحدا لا يزداد ولا ينقص بل تقوم به الأشياء ولا تقوم هي بغيرها لصلح أمر الناس)
وقد نقل الدكتور على أحمد السالوس في كتابه الممتع (النقود واستبدال العملات دراسة وحوار) فتوى هيئة كبار العلماء بالسعودية التي استدعت بعض المختصين من الاقتصاديين واستشارتهم في بعض الأشياء وبعد البحث صدرت الفتوى التالية:
" بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة والاصطلاح بحيث يلقى قبولا عاما كوسيط للتبادل كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال (وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به بل الغرض أن يكون معيارا لما يتعاملون به والدراهم والدنانير لا تقصد لذاتها بل هي وسيلة إلى التعامل بها ولهذا كانت أثمانا -إلى أن قال- والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيف كانت. ج29 ص 251
وذكر نحو ذلك الإمام مالك في المدونة من كتاب الصرف حيث قال (ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة)
وحيث أن الورق النقدي يلقى قبولا عاما في التداول ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياسا للقيم ومستودعا للثروة وبه الإبراء العام وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ أن صفة السندية فيها غير مقصودة والواقع يشهد بذلك ويؤكده كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملا لجميع الأوراق النقدية بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءا من عملتها بدون غطاء وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهبا بل يجوز أن يكون من أمور عدة كالذهب والعملات الورقية القوية وأن الفضة ليست غطاء كليا ولا جزئيا لأي عملة في العالم كما اتضح من مقومات الورقة النقدية قوة وضعفا مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصاد فتقوى بقوة دولتها وتضعف بضعفها وأن الخامات المحلية كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية وحيث أن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلا والأقرب إلى مقاصد الشريعة وهو إحدى الروايتين عن الأئمة مالك وأبي حنيفة وأحمد قال أبو بكر روى ذلك عن أحمد جماعة كم هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ....
وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية
1 - جريان الربا بنوعية فيها كما يجري الربا في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس ... إلى آخر الفتوى
وهذا وأوصى بمراجعة الكتاب السابق والله الموفق