الثامن: أن قوله {ذلك أدنى أن لا تعولوا} تعليل لكل واحد من الحُكمين المتقدمين، وهما نقلهم من نكاح اليتامى إلى نكاح النساء البوالغ، ومن نكاح الأربع إلى نكاح الواحدة أو ملك اليمين. ولا يليق تعليل ذلك بقلة العيال.
التاسع: أنه سبحانه قال {فإن خفتم أن لا تعدلوا} ولم يقل: إن خفتم أن لا تفتقروا وتحتاجوا. ولو كان المراد قلة العيال: لكان الأنسب أن يقول ذلك.
العاشر: أنه سبحانه إذا ذكر حكماً منهياً عنه وعلل النهي بعلته، أو أباح شيئا وعلق إباحته بعلة، فلا بد أن تكون العلة مضادة لضد الحكم المعلل. وقد علل سبحانه إباحة نكاح غير اليتامى والاقتصار على الواحدة أو ملك اليمين بأنه أقرب إلى عدم الجور. ومعلوم أن كثرة العيال لا تضاد عدم الحكم المعلل، فلا يحسن التعليل به. والله أعلم.أ. هـ.
" تحفة المودود" (ص 15 - 17).
وسمعت تفسيرا لهذا الجزء من الآية من شيخنا الألباني، أظن أنه لم يسبق إليه (3)، وأرى أن الآية لا تدل عليه، وسنذكره، وننقل ما يوضح معنى الآية.
قال شيخنا الألباني: العيلة هي الفقر، فمعنى التعليل: أن الإكثار من الزواج سبب في الثروة والغنى، لكن هذا يذكرني بآية {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}. فالزواج هو سبب للثروة وليس سببا للفقر. {ذلك أدنى ألا تعولوا} يعني: لا تصبحوا فقراء. والناس يقولون " الضيف يأتي مع رزقه ". ونقول كذلك " المرأة الثانية تأتي مع رزقها ". فلماذا يخاف الناس من زواج الثانية؟ يخافون أن يقعوا في الفقر. والآية رد عليهم. {ذلك أدنى} أي: أقرب {أن لا تعولوا} يعني: ألا تفتقروا. ومثله كما قال تعالى {ووجدك عائلا فأغنى}.ا. هـ"
شريط "سلسلة الهدى والنور" (رقم" 536").
قلت: في كلام شيخ الإسلام رد على ما قاله شيخنا حفظه الله. وزيادة في البيان ننقل كلام الشنقيطي رحمه الله حيث قال:
… {ذلك أدنى ألا تعولوا} أي تجوروا في الحقوق الشرعية والعرب تقول: عال يعول إذا جار ومال، وهو عائل… أما قول أحيحة بن الجلاح الأنصاري:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وقول جرير:
الله نزل في الكتاب فريضة لابن السبيل وللفقير العائل
وقوله تعالى {ووجدك عائلا فأغنى}، فكل ذلك من العيلة، وهي الفقر. ومنه قوله تعالى {وإن خفتم عيلة} الآية. فـ "عال" التي بمعنى جار: واوية العين. والتي بمعنى افتقر: يائية العين- ثم خطّأ رحمه الله من خطّأ الشافعي ونسبه للشذوذ في قوله - أ. هـ.
"الأضواء" (1/ 375 - 376).
قلت: وكلام الشافعي فيه إرجاع الضمير {ذلك} إلى تزوج الواحدة، والمعنى عنده: أن الزواج من واحدة أقرب لكم من كثرة من تعولون من العيال إذا تزوجتم أكثر من واحدة. وكلام شيخنا حفظه الله فيه إرجاع الضمير {ذلك} إلى قوله {فإنحكوا ما طاب لكم …} أي: إلى تعدد الزواج بأكثر من واحدة، فافترق كلامه عن كلام الشافعي إفتراقاً بينا كما هو ظاهر.
والله أعلم
من كتابي " أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة "
====
(1) ونص عبارته: وقوله {أن لا تعولوا} أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها ا. هـ "الأم" (5/ 152).
(2) أخرجه ابن حبان (6/ 134). وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا خطأ. والصحيح عن عائشة موقوفاً.أ. هـ. “تفسير ابن كثير" (1/ 451). وانظر "مرويات أم المؤمنين عائشة في التفسير" للفنيسان (ص 154).
(3) وقد راجعته في ذلك في بيته بتاريخ 17 محرم 1418هـ، فقال لي -جزاه الله خيراً- إن لم نرَ أحداً قال به فأنا أتراجع عنه، وهذا مِن إنصافه حفظه الله. وإنما أُثبته هنا للفائدة والمعرفة.