الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم التصفيق، ومن ادعى أن الإنكار هو لكون التصفيق في الصلاة فليأت بدليل يدل على إقراره له في غير الصلاة.
الثاني: أنه علل هذا النهي بقوله (إنما التصفيق للنساء) وهذه علة عامة غير خاصة بالصلاة، ويدل عليه قوله (إنما) وهي من أدوات الحصر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهن ففي الصحيح مرفوعا (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء).
الثالث: أنه لم يأت التصفيق في الشرع –حسب علمي- إلا في موضعين وفي كلا الموضعين أنكرهما الشرع:
الموضع الأول: تصفيق الكفار في عبادتهم (وقد سبق في الوجه الأول) وقد دلت الأحاديث الناهية عن التشبه بالكفار على تحريم مشابهتهم في فعلهم.
الموضع الثاني: تصفيق الرجال هنا في صلاتهم ودل تعليل الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من شأن النساء إلى النهي عن فعله مطلقا للرجال.
ولم يأت في موضع واحد إقراره، فدل على أن الأصل فيه المنع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (11/ 565)
(وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف بل قد ثبت عنه فى الصحيح أنه قال (التصفيق للنساء والتسبيح للرجال) و (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ويسمون الرجال المغنين مخانيثا وهذا مشهور فى كلامهم) اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (الإغاثة) 1/ 244:
(والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا) اهـ.
وقال ابن حجر في (الفتح) 3/ 77:
(ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء) اهـ
وقال العز بن عبدالسلام قواعد الأحكام 2/ 186:
(وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام (إنما التصفيق للنساء) و (لعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) اهـ
وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) 1/ 316:
(وفيه-يعني التصفيق- أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة) انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في (كف الرعاع) ص298:
(وعبارة الحليمي يكره التصفيق للرجال فإنه مما يختص به النساء وقد منعوا من التشبه بهن كما منعوا من لبس المزعفر لذلك اهـ، وقال الأذرعي: وهو يشعر بتحريمه على الرجال) انتهى.
وقال الشوكاني في (النيل) 3/ 182
(قوله أكثرتم التصفيق ظاهره أن الإنكار إنما حصل لكثرته لا لمطلقه ولكن قوله (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقا) انتهى
فإن قيل:
فهل يجوز للنساء التصفيق دون الرجال.
فالجواب:
لا يجوز في غير المواضع التي سمح بها الشرع (كالتنبيه في الصلاة) لعموم الأدلة الأخرى المحرمة للتصفيق.
الوجه الخامس من الأوجه الدالة على منع التصفيق:
أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لم ينقل عنهم مطلقا أنهم كانوا إذا استحسنوا شيئا صفقوا، بل إما أن يعبروا عن استحسانهم للشئ بالقول، أو بالتكبير وذكر الله، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
ما في الصحيحين من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة (، فكبرنا، ثم قال (أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة)، فكبرنا، ثم قال (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة).
وفي الصحيح وغيره عن أسماء بنت أبي بكر في قصة ولادة عبد الله بن الزبير وكان أول من ولد في الإسلام بالمدينة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت اليهود تقول قدسحرناهم فلا يولد لهم بالمدينة ولد ذكر وفي بعض الروايات (فكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد عبد الله تكبيرا حتى ارتجت المدينة).
¥