ومن العلماء المعاصرين القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة الألباني رحمه الله، لكنه يقول بالاستحباب ويدعو النساء إلى تغطية الوجه تطبيقاً للسنة حتى قال في كتابه جلباب المرأة المسلمة: " ولقد علمت أن كتابنا هذا كان له الأثر الطيب ـ والحمد لله ـ عند الفتيات المؤمنات، والزوجات الصالحات، فقد استجاب لما تضمنه من الشروط الواجب توافرها في جلباب المرأة المسلمة الكثيرات منهن، وفيهن من بادرت إلى ستر وجهها أيضاً، حين علمت أن ذلك من محاسن الأمور، ومكارم الأخلاق، مقتديات فيه بالنساء الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى كلامه رحمه الله. (جلباب المرأة المسلمة ص26)
وأردت بهذا أن يتميز كلام العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة، وبين دعاة الرذيلة.
فإن العلماء لم يدعُ واحد منهم إلى أن تكشف المرأة وجهها، بل أقل ما قيل بينهم إن التغطية هو الأفضل. بخلاف دعاة السوء الذين يطالبون بكشف المرأة لوجهها. وما الذي يَضُرهم، و ما الذي يُغيظهم من تغطية المرأة لوجهها؟! إنه سؤال يحتاج منا إلى جواب. نسأل الله الكريم أن يحفظ نساء المسلمين من كيدهم.
وأعود مرةً أخرى إلى محل النزاع في حكم تغطية المرأة لوجهها ويديها هل هو واجب أو مستحب؟ الراجح من قولي العلماء وجوب تغطية المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب.
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
الدليل الأول: قوله تعالى: " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن " (النور 30).
فالله جل وعلا يقول (ولا يبدين زينتهن) وقد استقر في فطر الناس أن أعظمَ زينة في المرأة هو وجهها، ولذلك فإن أهم ما يراه الخاطب هو الوجه، وكذلك الشعراء حاضراً وقديماً في غرض الغزل، فالوجه أعظم مقياس عندهم للفتنة والجمال.
وقد اتفق العلماء على وجب ستر المرأة لقدمها وشعرها أمام الرجال الأجانب؛ فأيهما أعظم زينة الوجه واليدين أم القدم؟!، و لاشك بأن الوجه واليدين أعظم في الزينة وأولى بالستر.
بل قد جعل الله ضرب المرأة بقدمها الأرض أثناء مشيها لسماع الرجال صوت الخلخال من الزينة المحرم ابداؤها كما في الآية التي تليها (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور 31) وكشف المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب أعظم زينة من سماعهم لصوت خلخالها، فوجوب ستر الوجه واليدين ألزم وأوجب.
الدليل الثاني: حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان). أخرجه الترمذي بإسناد صحيح (الإرواء 1/ 303) (وأصل الاستشراف: وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر. والمعنى أن المرأة إذا خرجت من بيتها طمع بها الشيطان ليغويها أو يغوي بها).
وهذا الحديث نص في أن المرأة كلها عورة ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم منها شيء.
الدليل الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك وهم راجعون من غزوة بني المصطلق وقد نزلوا في الطريق فذهبت عائشة لقضاء حاجتها ثم عادت إليهم وقد آذنوا بالرحيل فلم تجد عقدها فرجعت تتلمسه في المكان الذي ذهبت إليه فلما عادت لم تجد أحداً فجلست. وقد حملوا هودجها على البعير ظناً منهم أنها فيه ولم يستنكروا خفة الهودج؛ لأنها كانت خفيفة حديثة السن.
وكان من فطنتها أن جلست في مكانها الذي كانت فيه، فإنهم إن فقدوها رجعوا إليها.
قالت رضي الله عنها: فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت " وفي رواية: فسترت " وجهي عنه بجلبابي ... ) متفق عليه.
فصفوان بن المعطل رأى سواد إنسان فأقبل إليه. وهذا السواد هو عائشة ـ رضي الله عنها ـ وكانت نائمة، كاشفة عن وجهها، فعرفها صفوان، فاستيقظتْ باسترجاعه؛ أي بقوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فعائشة رضي الله عنها لما قالت (فعرفني حين رآني) بررت سبب معرفته لها ولم تسكت فكأن في ذهن السامع إشكال: كيف يعرفها وتغطية الوجه واجب. فقالت: (وكان رآني قبل الحجاب).
¥