7 - شنع الألباني رحمه الله على القائلين بأن الخمار هو ما يغطي الوجه والرأس، فلما أحرجوه واحتجوا عليه بأقوال شراح الحديث؛ كالحافظ ابن حجر –كما سبق-، وبقول الشاعر:
قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت نسك أخي التقي المذهب
نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبًا لوجهك كيف لم يتلهب
قال الألباني: "لا يلزم من تغطية الوجه به أحياناً أن ذلك من لوازمه عادة" (23)! فاعترف رحمه الله بأن الخمار يغطي الوجه! إذاً: فلماذا كل هذا التشنيع؟!
8 - ذكر الألباني حديث أنس –في الصحيحين وغيرهما-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه تزوجها. وفي رواية: وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها"
ثم ذكر قول شيخ الإسلام تعليقاً على هذا الحديث: "والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز" (24) واستغربه!! لأن الألباني يرى أن نساء المؤمنين وإماءهم لا يجب عليهن تغطية الوجه بل الرأس.
قلت: لا غرابة في كلام شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأنه من القائلين بأن حجاب الحرائر –سواء كن زوجاته صلى الله عليه وسلم أو نساء المؤمنين- هو تغطية الوجه، وأما الإماء فيكشفن وجوههن ورؤوسهن.
9 - زعم الألباني عفا الله عنه أن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله يذهب إلى أن الخمار هو غطاء الرأس فقط، وأن القواعد من النساء لا حرج عليهن في وضعه!! ثم نقل قوله مبتورًا! (25)
وفاته أن الشيخ ابن سعدي قال في تفسير قوله تعالى (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن): "أي الثياب الظاهرة؛ كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن وجوههن لأمن المحذور منها وعليها" (26).
فابن سعدي رحمه الله كغيره من العلماء يرى أن الخمار غطاء الوجه مع الرأس، لا الرأس فقط كما نسب إليه الألباني.
10 - ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أثراً صحيحاً عن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الحجاب هكذا، وتنقبت به. فنقول لها: رحمك الله! قال الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) هو الجلباب. قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: (وأن يستعففن خير لهن) فتقول: هو إثبات الحجاب" (27)
قلت: هذا الأثر الذي ذكره الشيخ ينقض قوله بجواز كشف الوجه!! لأنه يدل على أن من المتقرر عند السلف أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب؛ كما فعلت حفصة بنت سيرين، وأن القواعد من النساء لهن أن يكشفن وجوههن غير متبرجات بزينة. ولو كان يجوز للنساء أن يكشفن وجوههن –كما يرى الألباني- لقال عاصم ومن معه لحفصة بنت سيرين: إنه يجوز لك كشف وجهك، ولما احتاجوا أن يذكروا لها آية (والقواعد)! فتأمل!
وفي هذا الأثر أيضاً دليل على أن الجلباب يُغطى به الوجه.
11 - يردد الألباني أن مذهب الإمام مالك جواز كشف الوجه (28) ولم يذكر نصاً عن الإمام مالك على هذا، وهذا خلاف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من أن مذهبه عدم جواز ذلك. قال: "إن كل شيء منها –أي المرأة- عورة حتى ظفرها، وهو قول مالك" (29). ومما يشهد لما نقله شيخ الإسلام أن الإمام مالك ذكر في موطئه قول ابن عمر "لا تنتقب المرأة المحرمة" ثم أتبعه بقول فاطمة بنت المنذر: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق" (30) ليبين أن منع المرأة المحرمة من النقاب لا يعني عدم ستر وجهها بغيره مما لم يُفصل على مقدار العضو. والله أعلم.
هذا ما أردت بيانه من تناقضات الشيخ – رحمه الله -؛ لكي لا يغتر أحد من المسلمين بقوله في هذه المسألة.
كشف وجه المرأة: هل هو من المسائل "الخلافية" أم "الاجتهادية"؟!
هذه المسألة هي أكثر المسائل المطروقة في هذا الباب: وهي تقريباً أول مسألة تعرض للقارئ.
¥