" الصحيح من المذهب أن الوجه ليس من العورة".
روى ابنه صالح في " مسائله" (1/ 310) عنه قال:
" المحرمة لا تخمِّر وجهها ولا تتنقب والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها".
قلت: فقوله: " ليس به بأس" يدل على جواز السدل فبطل قول المعاصرين بوجوبه كما بطل تقييدهم للرواية الأخرى عن الإمام الموافقة لقول الأئمة الثلاثة بأن وجهها وكفيها ليسا بعورة كما تقدم في كلام ابن هبيرة وقد أقرّها ابن تيمية في" الفتاوى" (15/ 371) وهو الصحيح من مذهبه كما تقدم عن" الإنصاف" وهو اختيار ابن قدامة كما تقدم في وعلل ذلك بقوله:
" ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه حجاب المرأة ولباسها في الصلاة ط المكتب الإسلامي تحقيق وتخريج وتعليق محمد ناصر الدين الألباني ص 35: (وقال ابن عباس: الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد وهو قول طائفة من العلماء كالشافعي وغيره).
وقال ص 15: (والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين:
1 - فقال ابن مسعود ومن وافقه: هي الثياب.
2 - وقال ابن عباس ومن وافقه: هو مافي الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية فقيل يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد).
قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في كتابه " الآداب الشرعية" وابن مفلح هذا من كبار علماء الحنابلة في القرن الثامن، ومن تلامذة ابن تيمية وكان يقول له:" ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح".
وقال ابن القيم فيه: " ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح".
إذا عرفت هذا فقد قال المفلح هذا في كتابه المذكور " الآداب الشرعية " (1/ 316) ما نصه:
" هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟
ينبني (الجواب) على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها أو يجب غض النظر عنها؟ وفي المسألة قولان قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم. قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي. ذكره الشيخ محيي الدين النووي ولم يزد عليه".
يعني: في " شرح مسلم" قبيل (كتاب السلام) وأقرَّه.
ثم ذكر المفلح قول ابن تيمية الذي يعتمد عليه المعاصرون في كتابه ويتجاهلون أقوال جمهور العلماء وقول القاضي عياض الذي نقله المفلح وارتضاه تبعاً للنووي. ثم قال المفلح:
" فعلى هذا هل يشرع الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف وقد تقدم الكلام فيه فأما على قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة.
تنبيه: الرواية الأخرى عن الإمام أحمد بأن المرأة كلها عورة تشمل الصلاة وخارجها والدليل على ذلك ما أخرجه أبو داود في مسائله ص 40 في باب المرأة ما يبدو منها في الصلاة قال أحمد: إذا صلت المرأة لايرى منها ولا ظفرها تغطي كل شيء منها.
وقال شيخ الإسلام في كتابه السابق ص 26: (وابن مسعود رضي الله عنه لما قال الزينة الظاهرة هي الثياب لم يقل إنها كلها عورة حتى ظفرها بل هذا قول أحمد يعني به أنها تستره في الصلاة). ويتبين ذلك أيضا من رد ابن عبد البر على ذلك في التمهيد.
مذاهب علماء آخرين:
قال الشوكاني في نيل الأوطار (ج6/ص245) (بعد ذكر حديث أسماء) وهذا فيه دليل لمن قال إنه يجوز نظر الأجنبية قال بن رسلان وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غض البصر للآية.
¥